طالب الفقيه الدستوري الدكتور صلاح الدين فوزي أستاذ ورئيس قسم القانون العام بجامعة المنصورة وعضو المجالس القومية المتخصصة بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور لتضم أصحاب الاتجاهات الفكرية وليس الحزبية مع من هم أهل لصناعة الدساتير وكتابته. وأشار إلي أنه اتضح عدم وجود لغة تواصل بين أعضاء الجمعية وأنها بدأت تتحلل من الداخل بعد الإنسحابات المتتالية. وأكد علي أن الجمعية قد أنجزت عملا به قدر كبير من الجهد والإيجابيات أهمها إقرار مبدأ مسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية الخاطئة.. ومنع التحايل في تنفيذ الأحكام القضائية.. وإتاحة الدولة الوظائف للمواطنين دون محاباة أو واسطة. مشيرا إلي أنه رغم ذلك فإن هناك تناقضا واضحا بين عدد من النصوص يجب إزالته وهناك سلبيات يتحتم حذفها. وأرجع المشاكل التي تواكبت مع تشكيل الجمعية واستمرت حتي الآن نتيجة لأن جانبا كبيرا من أعضائها غير متخصص فغلب علي عملهم الطريقة الإنشائية وليست الصياغات القانونية. كما أن محاولة حشر كل شيء في الدستور علي غير طبيعة الدساتير تؤكد علي عدم الثقة في المشرع حيث جاءت النصوص وكأنها موضوعات إنشاء. بعد الانسحابات المتتالية من الجمعية التأسيسية للدستور ماهو الطريق للخروج من هذا المأزق ؟ أحسب أن لغة التواصل مفتقدة داخل الجمعية وهذا يجعلها إما أن تكون معرضة للتحلل من الداخل أو أن تحل من الخارج . إعادة التشكيل وماهو الأنسب في هذه المرحلة ؟ الأنسب بلا شك هو إعادة تشكيل الجمعية علي أن يراعي في إعادة التشكيل اختيار نخبة من ذوي الاتجاهات الفكرية وليس الاتجاهات الحزبية المتناحرة وعلي أن يتم اختيار نخبة من أهل كتابة الدساتير وصناعته كما جاء في حكم المحكمة الإدارية القاضي بحل الجمعية الأولي. وحذر تقسيم الحصص في التشكيل كما حدث في التشكيلين السابقين حتي لاننقل الانقسام الحادث في المجتمع إلي الجمعية . لكن هل كان من المناسب تلك الانسحابات المتتالية في هذا التوقيت ؟ يقينا أعجزت المنسحبين السبل للتغلب علي مارأوه غير مناسب وتمثل في اعتراضهم علي طريقة إدارة الجمعية وفكرة الطرح وطريقة الصياغة . فقد كانت هناك مفاجآت لهم خاصة في الصياغة فهجروا الجمعية كي يريحوا ويستريحوا.. ومن الواضح أن الحيل قد أعيتهم للتغلب علي المشاكل التي واجهتهم فكان الانسحاب وأحيانا يكون الانسحاب موقفا عندما لايكون أمام الإنسان موقف خلافه . مصر المستقبل وهل يمكن إنجاز الدستور قبل صدور الحكم في الطعن عليها ؟ هذا أمر صعب.. وسيصطدم بعقبة إجرائية شديدة.. كما لانريد لمشروع مصر المستقبل أن يكون بؤرة للصراع.. ولايجب الانتظار لحين صدور الحكم استباق الحكم في ذات الوقت. الحل كماسبق ذكره أن يعاد تشكيل الجمعية بشكل توافقي وأن تكون لغة الحوار بين أعضائها متوافرة وأن يتم الاستماع لكافة وجهات النظر وأن يغلب الجميع مصلحة الوطن للخروج بدستور يليق بالمستقبل المنشود وهنا يؤكد الدكتور صلاح فوزي أنه ليس معني إعادة تشكيل الجمعية أن تبدأ الجمعية الجديدة من الصفر بل سيتم الاستفادة مما أنجزته هذه الجمعية رغم كل الصراع الذي دار بداخلها . إنجازات ملموسة إيجابيات الجمعية وماهي أهم الإنجازات التي حققتها الجمعية الحالية ويمكن البناء عليها ؟ أجاب قائلا : الجمعية الحالية أنجزت عملا به قدر كبير من الجهد وأيضا به قدر كبير من الإيجابيات لابد من التأكيد عليها وأهمها : أولا : إقرار مسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية الخاطئة حيث حددت المادة 32 حالات استحقاق التعويض عن الحبس الإحتياطي أوعن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء العقوبة المنفذة بموجبه وتلتزم الدولة بأداء هذا التعويض. ثانيا : إتاحة الدولة الوظائف للمواطنين دون محاباة أو واسطة ومخالفة ذلك يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.. وهذا ماجاء في المادة 57 بما يمنع توريث الوظائف. ثالثا : منع التحايل علي تنفيذ الأحكام.. حيث إن المادة 81 أكدت علي أن مجلس الدولة يختص دون غيره بمنازعات التنفيذ المتعلقة بالمنازعات الإدارية والدعاوي والطعون التأديبية.. فلم يعد بمقدور أحد التوجه لمحكمة مدنية . لكن في كل دساتير العالم المواطن غير مطالب بإثبات براءته علي عكس ماهو حادث في مصر الآن.. فكيف يمكن حل هذه الإشكالية ؟ ماتقصده هو قانون الكسب غير المشروع الذي نقل عبء الإثبات من الدولة إلي الأفراد وهذا مايجعله محل طعن بعدم الدستورية . إذن فما سبب هذا الكم من المشاكل واللغط حول أعمال الجمعية ؟ المشكلة الرئيسية في أن فريقا من الجمعية غير متخصص فغلب علي طريقتهم الطريقة الإنشائية وليست الأمور القانونية. ومن الواضح في الصياغة عدم الثقة في المشرع العادي (البرلمان) فكل فئة تريد أن تضمن نفسها بنص دستوري.. فمن الواضح أنه يتم حشر كل شيء في الدستور علي غير طبيعة الدساتير التي يجب أن تكون قواعد عامة مجردة. فقد جاءت النصوص بالمسودات وكأنها موضوعات إنشاء . لكن ماهي أهم ملاحظتك علي ماتم رصده من سلبيات هذه المسودات ؟ أهم هذه السلبيات هو وجود تناقض بين المواد وعلي سبيل المثال : المادة الثانية التي تتحدث عن مباديء الشريعة الإسلامية نجد أن المادة 68 بدأت تتحدث عن الأحكام وليس المباديء. فتارة كان الحديث عن المباديء وتارة أخري عن الأحكام. فالمباديء هي الأدلة الكلية والقواعد الأصولية والفقهية وأصولها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة. فحتي المذاهب الأربعة فالمقطوع به أن هناك خلافات في الأمور ظنية الدلالة. كما تم الحديث عن أن الأزهر هيئة إسلامية مستقلة.. ثم تم الحديث عن قيام الدولة بكفالة الاعتمادات المالية التي تكفل تحقيق أغراضه. فكفالة الدولة لموارده تنال من إستقلاله.. فلابد أن تكون له موارده المالية التي تضمن أن ينال استقلاله بالفعل. واستطرد الدكتور صلاح فوزي قائلا : كما أن المادة 37 تتحدث عن حرمة المنازل ولايجوز الدخول أو التفتيش أو المراقبة إلا بما حدده القانون وبأمر مسبب من القاضي المختص يحدد المكان والغرض والتوقيت وهذه ضمانة رائعة.. لكنه عاد وذكر بأنه يجب تنبيه من في المنازل قبل دخولها أو تفتيشها الأمر الذي سيتسبب حتما في هروب المتهم. فكيف يمكن أن ننبه المتهم طالما أخذ الضمانات الكافية واتخذت الإجراءات القانونية. المادة 47 وهل هناك ملاحظات غير تلك النصوص المتناقضة ؟ نعم.. هناك نصوص مضحكة.. فعلي سبيل المثال المادة 47 التي تتحدث عن الحق في التظاهر السلمي وجعلته حقا دون حمل سلاح. والسؤال الذي يطرح نفسه : وماذا لو كانوا حاملين للعصي والشوم أو السلاح الأبيض ؟ وهل يكون ذلك مباحا ؟ كما أن المادة 129 التي أعطت لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس النواب عند الضرورة بقرار مسبب من الحكومة وطرحه علي الاستفتاء فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء مؤيدة لبقاء المجلس وجب علي رئيس الجمهورية تقديم إستقالته. فالمنطق هنا أن تستقيل الحكومة وليس رئيس الجمهورية طالما كان الحل بناءا علي طلب مسبب منها . سلطات الرئيس وماذا عن سلطات رئيس الجمهورية ؟ هذا موضوع يحتاج لتفصيل كبير حتي لانترك لرئيس الجمهورية اختصاصات لانهائية. ومادمنا في هذا الموضوع فهناك موضوع في منتهي الأهمية وهوخاص بالمعاهدات الدولية. وهو قيام رئيس الجمهورية بإبلاغ البرلمان بمعاهدات الصلح والتجارة والملاحة وأي معاهدة تتعلق بحق من حقوق السيادة أويترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أوتحمل خزينة الدولة نفقات لمدة قادمة.. ويجب موافقة مجلسي النواب والشيوخ بالأغلبية. ويؤكد الدكتور صلاح فوزي أن هذا النص ليس كافيا ويحتاج لإعادة نظر ولابد من النص علي اللجوء لاستفتاء شعبي قبل التصديق علي بعض الاتفاقيات الهامة خاصة كتلك التي تكون متعلقة بأراضي الدولة وحدودها فهنا لابد من الاحتكام للشعب.