قرأت مقالات كثيرة لكبار الكُتّاب وبعض أعضاء مجلس النقابة اعتراضا علي التنظيمات المؤسسية الجديدة الواردة في مسودة الدستور والمعنية بشئون الإعلام المسموع والمقروء والمرئي. ثم كانت المفاجأة بالنسبة لي علي الأقل أن ما ورد في تلك المسودة لم يكن سوي استجابة لما تقدم به كل من النقابة والمجلس الأعلي للصحافة منذ عدة شهور.. وهما المؤسستان المعنيتان بشئون الصحافة.. مؤسسات.. وأفرادا. ولكي تتضح الحقائق كاملة أمام المجتمع الصحفي والقراء وحتي نتوقف عن المزايدة علي بعضنا البعض.. فلا بأس من الإشارة إلي ما طالبت به النقابة في مذكرة رسمية قدمت للجمعية التأسيسية لإعداد مشروع الدستور. فمن ضمن الاقتراحات التي قدمتها النقابة أن يقوم علي شئون الإعلام مجلس وطني مستقل عن سلطات الدولة، ويكون مسئولا عن صيانة الحقوق والحريات الإعلامية المقررة بالدستور والقانون، وضمان التزام مؤسسات الصحافة والإعلام المختلفة بالأصول المهنية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين.. ويختص (تكون) للمجلس الوطني للإعلام الشخصية الاعتبارية وتكون (تحدد) له موازنة مستقلة ويحدد (تنظيم) القانون علاقته بسلطات الدولة وطريقة تشكيله واختيار مدة عضويته.. ويختص المجلس بتلقي إخطارات الصحف ومنح تراخيص وإشارات البث الإذاعي والتليفزيوني وفق القواعد التي يتفق عليها، وتكون له سلطة الإشراف علي أداء المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة طبقا للقانون.. هذا بينما كان مقترح المجلس الأعلي للصحافة أكثر انضباطاً وتحديداً في الصياغة.. وإن كان الاثنان قدما من إناء واحد! حيث اقترح المجلس أن "يقوم علي شئون الصحافة والإعلام مجلس أعلي أو أكثر لكل منها شخصيته الاعتبارية واستقلاله عن جميع السلطات، ويكون مسئولا عن صيانة الحقوق والحريات الصحفية والإعلامية المقررة بالدستور، وعن متابعة التزام الصحف ووسائل الإعلام بأصول وتقاليد وأدبيات الممارسة المهنية، ويحدد القانون طريقة تشكيل هذه المجالس واختصاصاتها وعلاقتها بسلطات الدولة. وبالطبع استجاب معدو مشروع الدستور لتلك الاقتراحات المقدمة من المؤسستين المعنيتين بشئون الصحافة في مصر ولكنهم كانوا أكثر حرفية، حيث فصلوا ما بين "المجلس" والهيئة طبقا لطبيعة عمل واختصاصات كل منهما. حيث تصف المسودة في المادة 216 علي أن "يتولي المجلس الوطني للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويكون المجلس مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة علي تعدديته وعدم تركزه أو احتكاره، وحماية مصالح الجمهور ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ علي اللغة العربية ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده". ثم أوردت بالمادة 217 "تقوم الهيئة الوطنية للصحافة علي إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها وتنمية أصولها، وتعظيم الاستثمار الوطني فيها، وضمان التزامها بأنماط مهنية وإدارية واقتصادية رشيدة". والمعني.. أن هذه بضاعتنا ردت إلينا.. فنحن الصحفيين الذين اقترحنا ذلك.. وعندما وافقوا هم.. اعترضنا نحن مع أنهم فصلوا "المجلس" المختص بالتنظيم ووضع ضوابط ومعايير الأداء.. عن "الهيئة" التي ستتولي الإدارة والتطوير وتنمية الأصول.. إلخ. ولست أدري ما هو الفرق إذن بين المجلس الأعلي للصحافة "حاليا" والذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية باعتباره هيئة مستقلة قائمة بذاتها، وتقوم علي شئون الصحافة بما يحقق حريتها واستقلالها وقيامها بممارسة سلطاتها في إطار المقومات الأساسية للمجتمع وبين المجلس الوطني. لقد أوضحت من قبل أنه ليست العبرة بالمسميات، إنما بالقدرة علي القيام بالدور المنتظر وتحقيق الأهداف المرجوة. فقد تبدو بعض الشعارات - أحيانا - أنها "كلمة حق" ولكن عند البحث في التفاصيل تكتشف أنها رفضت لأسباب سياسية أو لمجرد العند فقط، وأنه لا هدف لها سوي هدم ما هو قائم دون رؤية حقيقية لبديل مقترح! وقانا الله شر الفتنة وحمانا من الغرض.. والهوي