إذا كانت المسودة التي نشرتها »المصري اليوم« أمس هي الأخيرة، وإذا كان نص المادية 612 هي أيضا آخر ما وصلت إليه الجمعية التأسيسية للدستور بخصوص الصحافة والإعلام، فإنني أسجل هذه الملاحظات: تنص المادية 612 علي: »يتولي المجلس الوطني للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويكون المجلس مسئولاً عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة علي تعدديته وعدم تركزه أو احتكاره، وحماية مصالح الجمهور ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ علي اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده«. الملاحظة الأولي والعامة، أن هذه الصيغة مكتوبة بروح التوجس من كل وسائل الإعلام، والتحفز ضدها، وهي لذلك مليئة بالتحفظات والكوابح، مما يجلعها بعيدة عن فكرة تعميق الحريات، خاصة حرية الرأي والتعبير المطلوبة في دستور ما بعد ثورة 52 يناير. لكن الملاحظة الثانية والأهم، هي في محتوي المادة، فهي: 1- تجمع، وتحشر مجموعة هائلة من وسائل الإعلام تحت مجلس واحدة، بما يجعل مهمة هذا المجلس غاية في الصعوبة، وربما كان المقصود أن يكون هذا المجلس صورياً وديكوراً ، وإيجاد شكل وهمي بدلا مما نادي به الإعلاميون. 2- الصيغة، عدا زحمة السوائل الإعلامية، تغافلت عن أهم ما طالب به الإعلاميون وكل التواقين لديمقراطية الإعلام، وهو استقلالية هذا المجلس، أو المجلسين كما نقترح، عن أي جهة تنفيذية وزارة الإعلام أو رئاسة الوزراء أو جهة تشريعية، كمجلس الشوري أو الشيوخ، أو أي جهة أخري قد تُبتكر. 3- ولعل عدم الأخذ بمبدأ استقلالية الإعلام ومجلسه، تجنب واضعو المادة تحديد: »مِن مَن يتكون هذا المجلس، وما هي بدقة اختصاصاته، ومن يرأسه«.. ولا يقال إن هذه تفاصيل ليس مكانها الدستور، وإنما القانون، لكن ذلك لا يصلح هنا، لأننا بصدد إنشاء وضع جديد تماماً للإعلام وحريته واستقلاله، ويحتاج إلي تأصيل وترسيخ دستوري لأسسه، التي يفصِّلها القانون. أما الملاحظة الجوهرية علي هذه المادة 216، فهي الجمع التعسفي بين جهازين متمايزين من أجهزة الإعلام: الصحافة.. والإذاعة والتليفزيون. ولا يجهل أحد مدي اتساع وتنوع وضخامة كل من الجهازين.. والأهم مدي الاختلاف في كل شيء بينهما، وهو ما جعل كليات الإعلام تخصص أقساماً للصحافة، وأخري للإذاعة والتليفزيون. لكن أخطر ما انطوت عليه هذه المادة هو طمس خصوصية ومكانة الصحافة في المجتمع والدولة، كأصل لكل إعلام، بدورها الحيوي بالغ الأهمية في الدولة الحديثة: كأداة رئيسية للإخبار والتثقيف والتنوير، وكشاف لإيجابيات وسلبيات حياتنا، وجهاز رقابة علي أعمال جميع أجهزة الدولة. ولذلكم اعتبرها العالم السلطة الرابعة. ولذلك فهي جديرة بأن تكون سلطة مستقلة، لها مجلس مستقل. وقد فصَّلت ذلك، ووضعته بين يدي زملائي، ونشرته في مقالي بالأخبار يوم .2012/11/5 غير ذلك يكون طمساً متعمداً للصحافة قيمة ومكانة.. الغريب أن الجمعية التأسيسية ومادتها 216 التي جمعت الصحافة بكل ما فيها، مع الإذاعة والتليفزيون بكل فضائياته في مجلس واحد.. عادت وفصلت الصحافة »القومية« عن أخواتها في مادة لاحقة 217 تحت ما سمته »الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام«.. وجعلت مهمتها »إدارة« المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة وتطويرها وتنمية أصولها وتعظيم »الاستثمار الوطني« فيها، وضمان التزامها بأنماط أداء مهنية »وإدارية واقتصادية رشيدة«. هنا تأخذ المسودة الصحافة القومية »أكبر المؤسسات الصحافية« علي جنب، تحت هيئة لم تحدد لتكوينها ملامح، مما يؤكد أنها ستكون تابعة، وتستمر أسيرة لأحد الأجهزة في إحدي السلطات، وطبعاً سيكون مجلس الشوري الذي ناضل الصحفيون ضد هيمنته، مع فتح الباب لخصخصتها ب »تعظيم الاستثمار الوطني فيها«. ولذلك، أدعو زملائي للوحدة والنضال من أجل »صحافة مصرية واحدة، قومية وخاصة وحزبية.. يشرف عليها مجلس وطني خاص ومستقل.. كسلطة رابعة مستقلة بشئونها، متكاملة مع بقية السلطات في خدمة الدولة والمجتمع«.