اشتهرت مصر علي مدار سنوات طويلة بزراعة وتصدير القطن. إلا أن مرت بنا سنوات إهدار العديد من السلع الإستراتيجية ومنها القطن، فتراجعت المساحات المزروعة ونقصت كميات الإنتاج، وتربع علي عرش تصدير القطن في السوق العالمي دول أخري. إلا أن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة الأسبوع الماضي، أفادت بوجود زيادة في إنتاج القطن في العام المالي 0102/1102 لتصل الكميات إلي 635 ألف طن، مقارنة ب 378 ألف طن في عام 9002/0102. وبذلك بلغت نسبة الزيادة 68 ٪. ولا شك أن هذا يعد من الأخبار الجيدة، والمبشرة، ولكنه يفرض علي الحكومة عدة تحديات، منها: تشجيع الفلاحين علي زراعة القطن ليعود إلي الكميات التي تجعل مصر المصدر الأول للقطن في العالم. ولن يتحقق ذلك في ظل غياب سياسات دعم المزارعين، وعدم تقديم الإرشاد الزراعي المناسب. والمطلوب أن تساهم مراكز البحوث الزراعية بالجامعات ووزارة الزراعة لتطوير أصناف القطن التي تواكب احتياجات السوق المحلي، وما يناسب أسواق التصدير أيضًا. فالنشاط الاقتصادي بطبيعته حلقات متكاملة، وفي كل عام يواجه المزارعون بعدم استيعاب إنتاجهم من القطن في حلقات التسويق، بسبب ممارسات الاحتكار من قبل التجار، حيث يفرضون علي المزارعين أسعار محددة، وبدونها يظل القطن لدي الفلاح لفترة طويلة قد تصل للعام التالي. ومن غير المقبول أن تظل زراعة محصول استراتيجي مثل القطن بدون إستراتيجية وطنية متكاملة، فالقطن المنتج في مصر طويل التيلة، واحتياجات التصنيع في مصر للقطن متوسط وقصير التيلة، فلماذا لا يوجه الفلاحون لزراعة الأصناف المناسبة للسوق المصري. علي أن تكون هناك أيضُا أصناف تستهدف التصدير. وإذا كان ولابد من زراعة الأصناف طويلة التيلة لاعتبارات المحافظة علي الميزة التنافسية للقطن المصري، فلماذا لا يتم تصميم خطوط إنتاج تتعامل مع الأقطان طويلة التيلة. الأمر ليس بالجديد، لدينا كليات للهندسة منذ إنشاء مدرسة الهندسة العليا في عهد محمد علي، وصناعة النسيج في مصر تأسست أيضًا في عهد محمد علي. ومع ذلك الزراعة في واد والصناعة في واد أخر. وفي ظل اقتصاديات العالم التي تعمل علي تعظيم القيمة المضافة لازالنا مصرين علي تصدير القطن الخام، دون أن يمر بمراحل الحلج والغزل والنسيج وصناعة الملابس الجاهزة. ثم نتحدث عن بطالة بين الشباب والخرجين الجدد، أو نسمع شكوي رجال البنوك بأن هناك ركود في حركة المشروعات الإنتاجية ولذلك اتجهوا لاستثمار أموال المودعين في أذون الخزانة أو في البورصة. وفي كل عام نجد النزاع بين مصانع الغزل واحتياجات المصانع المحلية للنسيج، حيث تصر مصانع الغزل علي التصدير، للوفاء بتعاقداتها التصديرية، بينما تشكوا مصانع النسيج من أنها أولي من التصدير، حتي لا تضطر للاستيراد من الخارج. وفي ظل الوضع الحالي لمصر الذي تعاني فيه من قلة مواردها من النقد الأجنبي، فإن الأولي أن يتم هذا التوافق، ووجود تنسيق بين احتياجات الصناعة من الزراعة، وكذلك احتياجات الصناعات المصرية من بعضها البعض، ليتحقق هذا التكامل، ويخرج من مصر منتج كامل الصنع. باقي أن نشير إلي أن مصر بما لديها من جيش جرار من الفلاحين والعاملين في صناعات الغزل والنسيج، فإن مساهمة القطن والمواد النسيجية لا تزيد مساهمتها في الصادرات المصرية لا تتجاوز 2.3 مليار دولار. من إجمالي صادرات سلعية بلغت 27 مليار دولار في عام 0102/1102، حسب بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي لنفس العام. وبذلك يتضح لنا أن نسبة مساهمة القطن والمواد النسيجية لا تزيد عن 8.5 ٪ من إجمالي الصادرات السلعية، وهو ما يجعلنا أن نعيد النظر في مجمل سياستنا الإنتاجية في قطاعي زراعي القطن وصناعة النسيج. والجانب الأخر للمعادلة فإن وارداتنا من القطن والمواد النسيجية لنفس العام تساوت تمامًا مع حجم الصادرات، فبلغت 2.3 مليار دولار، بما يجعلنا نصل إلي أن محصلة المعدلة صفر.