أخشي أن أقول إن مشاكل محافظة القاهرة اصبحت أكبر من قدرة المسئولين عن ادارتها وفقا لما هو ماثل من تفاقم للاوضاع وعدم توافر أي أمل في أن تستعيد رونقها ومكانتها كعاصمة تاريخية لأكبر دولة في الشرق الاوسط . لعل ابرز ما يمكن أن يوصف به هذا القصور.. المعاناة من غياب الانضباط وهيمنة التسيب الذي حول شوارع هذه المدينة التي كانت جميلة الي فوضي ما بعدها فوضي. من مظاهر هذا المشهد السلبي.. تحول معظم الميادين والشوارع إلي سويقات عشوائية يعم فيها الضجيج والسلوكيات غير الأخلاقية والبلطجة التي تجعل من المستحيل علي أي مواطن ان يمارس حياته الطبيعية. وهنا يؤسفني أن أقول إن الإعلام بشكل عام يستحق اللوم علي كثير من ممارساته السلبية وعدم قيامه بدوره ومسئولياته وواجباته بالقدر الكافي في التصدي لهذه الاوضاع والمساهمة في معالجتها باعتبارها امور تمس مصالح الوطن والمواطنين.. وإذا كان هذا يحدث فإنه في نفس الوقت لا يمكن انكار ما تقوم به بعض الوسائل الاعلامية من اثارة لقضايا لا تجد اهتماماً أو آذاناً صاغية من جانب المسئولين والاجهزة التابعة .. لقد تعودوا علي التعامل مع معظم ما يتم تناوله من قضايا تتسم بالجدية وفقا لنظرية »ودن من طين وودن من عجين« وهو ما يعني في عرفها »علي الصحافة ان تكتب وعلينا أن نفعل ما نريد معتمدين في تبنيهم لهذا المنطق علي أن لا أحد سوف يحاسبهم باعتبار أنها »وسية وصاحبها غايب«. وحتي لا أتهم بالتجني علي الحقيقة أضرب مثلا بنفسي فيما تناولته من كتابات يعلم الله ان لا هدف من ورائها سوي الصالح العام. مثال ذلك ما كتبته عن تحويل ميدان الجلاء وشارع 62 يوليو خاصة في المنطقة المحصورة من الميدان وحتي كوبري ابو العلا الي مواقف عشوائية للميكروباص والي سوق »للكانتو« . ليس هناك اعتراض علي تغيير طبيعة معظم محلات هذه المنطقة .. ولكن المشكلة تنحصر في ان كل شيء يتم في غياب القانون والنظام والتنظيم . واذا أضفنا الي ذلك القواعد الخاصة بكوبري 15 مايو فان النتيجة هي تعطيل المرور نتيجة الاستيلاء غير المشروع علي نصف عرض الشارع.. بالطبع فإن هذا الذي يحدث لا يمكن ان يكون لوجه الله وإنما تقف وراءه مافيا الفساد في اجهزة المحافظة المعنية التي تتعامل بالمعلوم وليذهب الانضباط والنظام الي الجحيم. إن أحدا لا يعترض علي وجود مواقف للميكروباص وكذلك محلات بيع الكانتو لخدمة الفقراء خاصة بعد الارتفاعات الهائلة في اسعار الملابس.. ولكن ليس مقبولاً أن تقوم هذه المحلات بعمليات استيلاء علي نهر واحد من أهم شوارع القاهرة. من المؤكد انه ليس غائبا علي المسئولين في محافظة القاهرة حتي لو كانوا يعيشون في ابراجهم العاجية أنهم يدركون حجم الفساد وعدم الشفافية الذي يحيط بما يجري.. ولكن يبدو من سير الامور أن الامر خرج عن ايديهم واصبحوا لا حول لهم ولا قوة.. وليس ما يشهده شارع 62 يوليو وشوارع الرويعي وغيره وغيره وغيره من شوارع قاهرة المعز لدين الله هو الشاهد علي سوء ما وصل اليه حال القاهرة وإنما هناك ايضا ما سبق ان قمت باثارته متعلقا بالبرج الخرابة الذي يتوسط الزمالك ارقي احياء القاهرة. لقد تأكدت من حالة الصمم والعمي التي اصبحت تعاني منها اجهزة محافظة القاهرة وكذلك الاجهزة المسئولة عن مشروعات الاسكان والتعمير والتخطيط في الدولة.. من تعمد أن يبقي الحال علي ماهو عليه بالنسبة لهذا البرج.. وأن لا أمل في أي تغيير نحو الاصلاح ما دام لا يوجد هناك شخص ما له مصلحة في إيجاد حل لهذا المسخ الذي يشوه وجه القاهرة. هذا الصمت تجاه التحرك بحثا عن حل لهذا البرج الخرابة يشير إلي أن هناك اصرار علي استمرار هذا الوضع المائل أمام تساؤلات عشرات الالاف الذين يشاهدونه كل يوم بل كل ساعة وكل دقيقة. الشئ الغريب ان لا أحد من المحافظة أو من الاجهزة المعنية فكر في الرد علي ما كتب لتوضيح الحقيقة بما يشير الي ان هناك عجزا في العمل علي ايجاد حل لواحدة من مشاكل القاهرة التي تتعاظم بالصمت والتهرب من المسئولية .. وبعد ذلك يتحدثون عن جهود للاصلاح.. سبحان الله.