قلبي مع محافظ القاهرة الدكتور عبدالعظيم وزير في مواجهته لحكم القضاء بسجنه سنة مع الشغل وعزله من وظيفته لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي يتعلق بانتخابات مجلس شعبي في دائرتي دار السلام والبساتين. ليس هناك من تعليق علي هذا الحكم سوي ان اقول.. »هوه حيلاقيها منين ولا منين« من الاتهام بعدم تنفيذ احكام القضاء ام مشاكل الفوضي والتسيب في شوارع العاصمة التي يتحمل مسئولية ادارتها وحل مشاكلها التي تتفاقم يوما بعد يوم. في هذا المجال لابد وان اشير الي ان الحال في هذه المدينة التاريخية العريقة اصبح لا يسر عدوا ولا حبيبا في ظل الاهمال وعدم الانضباط ليس من بعض فئات سكانها فحسب ولكن من جانب المسئولين في المحافظة الذين يبدو انهم فقدوا الامل في مواجهة الموقف إما لعدم قدرتهم علي التصدي للمشاكل وإما لان معاونيهم الذين يساعدونهم في مهمتهم اصبحوا مشغولين بمنافعهم الشخصية. في اطار متابعتي لهذا الوضع المأساوي الذي اصبحت عليه عاصمة مصر المحروسة فإنني وبداية يهمني ان اعترف بأنني اكن للدكتور عبدالعظيم وزير كل الحب والاحترام والتقدير وأن اقر بأنه كشخص يتميز بالنظافة والشفافية.. ولكن ما يجب ان يسمح لي بقوله هو ان هذه دقة.. وما وصل اليه الوضع في محافظة القاهرة من انهيار في الانضباط والنظام وعدم نظافة شوارعها وميادنيها.. دقة اخري. ان الامانة والمصداقية تقتضي الاقرار بان ما شهدته المدينة واحياؤها خلال السنوات الاخيرة من تسيب وفوضي قد امتد الي كل شيء وأدي الي تلطيخ وجهها الجميل وجعلها تفقد الكثير من حضارتها ورونقها. ان ما يحدث في وسط المدينة وليس في ضواحيها وكما سبق وذكرت شاهد علي هذه الحقيقة المفزعة والتي حاولت في عدة مقالات لفت النظر الي تفاقمها بدون جدوي. كان من الممكن ان يتغير هذا الحال لو ان المحافظ مارس كامل مسئولياته وتجول من وقت لآخر في شوارعها التي تشكو الاهمال والفوضي ليري بأم عينيه حجم التشوه الذي تعيش اهواله وجعل منها سويقة عشوائية لا تمت بصلة للنظام او القيم الحضارية. ليس من تفسير لهذا الذي يحدث سوي انه يجري الاعتماد علي تقارير »من ماركة كل شيء تمام« والتي من المؤكد انها تخاصم الشفافية ومنحازة للفساد وانعدام الضمير وكلها من صفات بعض الموظفين الذين يرفعون شعار »ادفع المعلوم وافعل ما شئت«. ان هذا يظهر واضحا وبصورة مؤسفة ومخزية في الميادين والشوارع التي تحولت الي اسواق لعرض البضائع ومواقف عشوائية للميكروباص وكلها أنشطة تعوق حركة السيارات والمارة معلنة بكل »البجاحة« ان قوانين التنظيم اصبحت في اجازة. الشيء المضحك والذي يثير السخرية تلك الحملات الصورية التي تقوم به الاجهزة المعنية من وقت لاخر لتأخذ طابع التهويش وذر الرماد في العيون . ان ما يثير الانتباه هو ان الامور تعود فور انتهاء هذه الحملات الي وضعها الطبيعي، فوضي وعشوائية وبلطجة بما يوحي انها ليست سوي مسرحية كوميدية متفق عليها بين المخالفين للقوانين والقائمين علي تنفيذها علي اساس من الخداع. هذا التهاون المتفق عليه والمدفوع اجره مقدما ادي الي ان تصبح بعض الشوارع والميادين تحت سيطرة »مافيا« الباعة الجائلين وسائقي الميكروباص ولا يمكن بهذه المناسبة ان ننسي انضمام عمال النظافة الحقيقيين او المزيفين الي طابور تنظيم ظاهرة التسول وانهم اصبحوا جزءا اساسيا من ديكورات الشوارع والميادين. بالطبع فإنني اعلم ان مشاكل القاهرة ذات الستة عشر مليون ساكن وزائر معقدة وعويصة وأن محورها الاساسي هو الازدياد غير المنضبط للكثافة السكانية. ولكن الشيء المؤكد ان لكل شيء حلا خاصة اذا توافرت النية الصادقة والشفافية لاجهزة الدولة المختلفة للمساهمة في ايجاد الحلول العملية. لقد حان الوقت لان نتفق بأن ما اصبحت عليه القاهرة بلغ امرا لا يطاق ولا يمكن بأي حال ان يشرف سكانها او المسئولين في هذه الدولة.