هل يقود ظهور الفكرة للنور في قلب المحيطات إلي الحد من موجة عداء انصار البيئة لكل ما هو مصنوع من البلاستيك؟ كثيرون من أصحاب الأحلام الخضراء، الذين يكافحون كل صور التلوث البيئي والنفايات الخطرة، لا يخفون رغبتهم العارمة بأن يستيقظوا ذات صباح علي كوكب خالٍ من البلاستيك، وتناغما مع ذلك بدأت بعض المدن في تبني الفكرة، والاستغناء عن المصنوعات والمنتجات البلاستيكية، ووسط هذه الموجة المتصاعدة تقفز فكرة انشاء مدن عائمة من البلاستيك، والمثير ان الفكرة يمكن ان تقابل بحماس من جانب علماء البيئة واحزاب الخضر، وكل من يرفع راية الدفاع عن المحيط العالمي وحمايته من التلوث. ملايين الأطنان من النفايات والمخلفات، خاصة التي تعتمد في صناعتها علي مواد بلاستيكية تطفو فوق المياه، سواء تلك التي جرفتها الأمواج من الشواطيء، أو قام بالقائها ركاب السفن والقوارب باختلاف احجامها، والحصيلة الضخمة تحمل معها نتائج سلبية واسعة التأثير علي تركيب المياه، والكائنات البحرية والطيور، وكلها تصب في خانة مزيد من التلوث البيئي المتفاقم، والذي تتجلي مظاهره علي البيئات المختلفة، وفي النهاية يكون الإنسان.. مع الكائنات الحية الأخري.. أكثر من يعاني الويلات من جراء ما تصنعه يداه! وبالتوازي مع صعود مشكلة التلوث -علي تعدد وجوهها- كان للبلاستيك نصيب من المناقشات الجادة للتعامل مع ما ينتجه من تلوث، وكان لظهور أمراض التلوث التي لم تكن شائعة من قبل اثرها في تشكيل رأي عام يعارض التوسع في استخدام المواد البلاستيكية. هذا الجانب من المواجهة كان يعتمد -بالأساس- علي منع الاستخدام، أو فرض القيود علي الاستثمار في مواد معينة سواء كانت معدنية أو من مواد الطاقة أو البلاستيك. علي الجانب الآخر، كان هناك من يطرح بدائل تتجه لتوظيف مختلف لذات المواد، عبر إعادة تدويرها، ومحاولة التوصل إلي آليات مغايرة في التعامل معها لتصبح صديقة للبيئة، وسادت فكرة »الانتاج الانظف« التي تسعي لاجابات عملية علي كيفية منع التلوث بدلا من اللجوء إلي التحكم فيه. ولم يقتصر الاتجاه الجديد علي استخدام المواد الطبيعية بفاعلية لتحقيق هدف مزدوج: تحسين البيئة وحمايتها،ثم تحقيق الربحية، ففضلا عن ذلك توالت الأفكار الخاصة بإعادة تدوير ما كان يتم التخلص منه. في هذا السياق التاريخي، تبلورت فكرة تحويل نفايات البلاستيك في البحار والمحيطات إلي مدن عائمة، صديقة للبيئة، من خلال جمعها وإعادة تدويرها لانتاج مواد صالحة للبناء، بتكاليف منخفضة، وحجم يسمح باستيعاب مئات الآلاف! في البداية كانت الفكرة أقرب إلي حلم، لكن مع الدراسات والابحاث والتجارب باتت قريبة من الواقع، لتتخلص المحيطات والبحار من النفايات البلاستيكية التي لا يملكها أحد، وبآلاف الأطنان، وتصبح مواد شديدة النفع عبر تدويرها لتصبح مدنا تؤوي الملايين، ليس هذا فقط ولكنها تحافظ علي الحياة البحرية، بالاضافة إلي أسراب الطيور التي تموت لاعتمادها في طعامها علي البلاستيك! المثير في الفكرة، ان تصميم هذه المدن/ الجزر لن يجعلها ثابتة، بل عائمة، وكأنها سفن ضخمة حتي تستطيع الصمود في مواجهة التيارات البحرية والرياح. الاكثر اثارة ان مدن البلاستيك العائمة سوف تكون صديقة للبيئة، حيث تستمد احتياجاتها من الطاقات المتجددة كالشمس والرياح، بل ان الفضلات ومياه الصرف سيتم استثمارها في الزراعة لتكون مصدراً لتسميد التربة بدلا من ان تكون مصدرا لتلويث المياه. وربما خلال سنوات قليلة تصبح الفكرة مصدر للإلهام السياحي حين تستثمرها شركات الترفيه والسفر، في جذب نوعية من السياح تهوي كل جديد، وبالتأكيد فإن الأكثر اهتماما بها تلك الدول التي تعاني من اكتظاظ سكاني ولن تجد إلا البحر أو المحيط ملجأ!