جبهة جديدة علي الأرض السودانية انفتحت في الصراع المستتر الدائر منذ ثلاثة أشهر . فبعد تخريب خطوط القوي الواصلة الي موقع فوردو الإيراني بما قطع عملية التخصيب التي كانت تجري هناك و أدي الي احتراق بعض الطاردات المركزية المتقدمة، ثم انطلاق طائرة بدون طيار من لبنان الي الأجواء الإسرائيلية وقيامها بتصوير اكثر المواقع النووية الإسرائيلية حساسية في مفاعل ديمونة قبل ان تسقطها اسرائيل، يأتي الفصل الثالث في الصراع بالقصف الجوي الذي استهدف مجمع اليرموك للمنشآت العسكرية الواقع بالقرب من العاصمة السودانية. المألوف في هذه الحالات التي تشير اصابع الاتهام الي اسرائيل ان تلتزم تل ابيب الرسمية الصمت فلا تؤكد او تنفي مسؤوليتها عن الحادث، بينما تتولي آلتها الإعلامية نقل التعليقات والتحليلات عن أقلام دولية ومحلية دونما تصريح رسمي واحد يؤكد أو ينفي صحة الاتهامات..وهو ما حدث بالفعل. فبعدما قام وزير الثقافة والإعلام السوداني أحمد بلال عثمان بتوجيه الاتهام صراحة الي اسرائيل وقرر ان الخرطوم تمتلك أدلة مادية تثبت قيام اسرائيل بالقصف، وذكر بعض شهود العيان السودانيين لصحيفة ها آرتس ان شبكة اتصالات العاصمة السودانية قد تعرضت للتشويش ثم تعطلت قبل ساعة من قصف الموقع،بما فرض تعتيماً كاملاً علي سكان المنطقة الذين يعرفون ان هذا الموقع عبارة عن مخزن للأسلحة، قامت الصحف العبرية بدورها في تسويغ الجريمة وإظهار أهميتها للأمن الإسرائيلي بما يكشف عما يشبه الاعتراف الضمني بها. فقال موقع دبكا فايل المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية ان المجمع السوداني المستهدف كان ينتج الصواريخ الباليستية الإيرانية أرض أرض من طراز شهاب بترخيص ايراني. ونقل الموقع عن مصادره الغربيين أن الغرض من مجمع اليرموك هو تحويله الي مخزن للاحتياطي الاستراتيچي الإيراني في حالة تعرض الترسانة الباليستية الإيرانية للقصف الإسرائيلي.كما أشار الموقع الي صور الفيديو التي التقطت للانفجارات التي شوهدت بعد القصف وكشفت عن انتشار السحب الفوسفورية البيضاء في السماء بما يشير الي أن قدراً هائلاً من المخزون قد تم تدميره مع معدات التصنيع الموجودة في المكان. وواصل الموقع تقريره بأن سلاح الجو الإسرائيلي يمتلك سجلاً طويلاً في القيام بضربات استباقية لتدمير صواريخ العدو طويلة المدي في مراحل مبكرة من الصراع. وأن الجيش الإسرائيلي قام في يونيو 2006 علي سبيل المثال بتدمير 90٪ من صواريخ حزب الله طويلة المدي في الساعات الأولي للحرب اللبنانية. اللافت ان صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عمدت الي نشر تصريحات منسوبة الي المعارضة السودانية تتهم ايران بإنشاء مصانع للأسلحة في الخرطوم بالتعاون مع نظام البشير، وأن عناصر من الحرس الثوري الإيراني قد قامت بزيارات متكررة لتدريب عناصر الجيش السوداني. ومع ان هذه ليست المرة الأولي التي تتحرش فيها اسرائيل بالسودان، فقد سبق ان استهدفت قافلة كان يُعتقد انها تحمل السلاح الي حركة حماس عبرالسودان من جانبه الشمالي الشرقي علي طول ساحل البحر الأحمر، بما يجعل السودان في مرمي النيران الإسرائيلية مرة بسبب علاقتها بحركة حماس ومرة أخري بسبب علاقتها بإيران، إلا أن هذه الغارة الأخيرة أثارت العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة العلاقة بين النظامين السوداني والإيراني في ضوء المزاعم الإسرائيلية التي صاحبتها فتساءلت صحف اسرائيلية عما إذا كان هناك ثمة اتفاق بين ايران وحكومة البشير علي استخدام الأراضي السودانية كمنصة لإطلاق الصواريخ الباليستية نحو أهداف شرق أوسطية وتخزين أسلحتها الباليستية علي أراضيه مقابل تخصيص عدد من الصواريخ للجيش السوداني. وفي نوع من الخبث الصحفي والسياسي تحدث موقع دبكا فايل عن الرسالة التي يبعثها هذا القصف للسودان فيما لو- لاحظ فيما لو- كانت اسرائيل هي التي قامت به وهي رسالة من ثلاث نقاط: أولاً ان الطيران الإسرائيلي حلق لمسافة تتراوح بين 1800 -1900 كم حتي يصل الي مصنع الأسلحة السوداني وهي مسافة تفوق ما يحتاجه للوصول الي موقع فوردو الإيراني للتخصيب الواقع تحت الأرض. وأن هذه العملية يجب ان تعني للإيرانيين أن طول المسافة لا يشكل أي عقبة أمام أي غارة جوية علي منشآتها النووية. ثانياً ان لدي الطيران الإسرائيلي قدرة فعّالة علي التزود بالوقود أثناء التحليق. ثالثاً: أن هذه الغارة ربما تكون خفضت من قدرات ايران علي الانتقام من أي ضربة امريكية أو اسرائيلية محتملة.