خالد محمد خالد: لا تكون من الذين يخافون أن يقولوا كلمتهم، وينتظرون ان يسمعونها من غيرهم..! أسوأ ما قرأت من توصيات، صادرة عن المجلس الأعلي للصحافة برئاسة د.أحمد فهمي رئيس مجلس الشوري.. هذه التوصيات الكارثة علي الفكر والإبداع والثقافة، والفن يكشف في وضوح ان النية مبيتة لتجريف الصحافة الحكومية، المسماة بالقومية من كبار الصحفيين الذين تجاوزوا سن الستين.. وهو بكل المقاييس إهدار ل»رصيد الذهب الصحفي«... من أصحاب الخبرات طوال سنوات مضت. وللأسف لم يرتفع صوت واحد من أعضاء المجلس الأعلي، وأكثرية أعضائه من الصحفيين أقل من سن الستين.. لم يرتفع صوت واحد يدين هذا القرار.. وقد يكون وراء صدور هذا القرار تصفية حسابات شخصية بين بعض كبار المفكرين والكتاب والصحفيين للتخلص منهم ليخلو »الجو« أمام القيادات الجديدة في المؤسسات الصحفية، وفي يقيني ان المجلس الأعلي للصحافة غير مدرك ان مثل هذه القرارات تصب في صالح الصحف المستقلة والحزبية والخاصة وصحف »بير السلم«، لأن هذه الصحف ستسعي إلي ضم هذه الكفاءات الصحفية إلي صفوفها، والخاسر الوحيد هو الصحف القومية.. وما يحزنك ان من اختارته الأسرة الصحفية نقيبا لها في أول انتخابات لمجلس نقابة الصحفيين بعد 52 يناير، الأستاذ ممدوح الولي خذل الصحفيين شيوخا وشبابا ونساء، وألف باء العمل النقابي الدفاع عن حقوق الصحفيين.. والمفكرين والكتاب وكبار الصحفيين سواء كانوا شيوخاً وروادا وشبابا... سواء وافقوه في ارائه أو اختلفوا معه والتصدي بكل حزم لما يصيب الأسرة الصحفية من اضرار.. وخاب الظن، أيضا.. رأيناهم: نقيبا وأعضاء مجلس النقابة يلوذون بالصمت،، وقد يكون مرد ذلك ان النقيب ينتمي لجماعة السمع والطاعة، ولتذهب المهنة ورسالتها ومفكري الأمة إلي الجحيم.. ولا أدري، لماذا كان صمت الأستاذ والزميل العزيز محمد عبدالقدوس عضو مجلس النقابة ومقرر لجنة الحريات بالنقابة، الذي طالما نظم مئات الوقفات الاحتجاجية ضد الظلم وكبت الحريات، وكانت سلالم النقابة ميدانه، وكان فارسها.. هل هذا الصمت المخيف مرده أيضا إلي السمع والطاعة.. وبقرار طرد المفكرين من صحفهم، بقرار من المجلس الأعلي للصحافة، يؤكد ان هناك توجها لا يخفي علي أحد من جماعة السمع والطاعة هدفها السيطرة علي الصحافة، وعلي كثير من مفاصل الدولة.. ولم يعد الأمر يختلف عن نظام مبارك الاستبدادي وبين النظام الجديد الذي تولي الحكم بعد 52 يناير بإرادة شعبية.. توقعت ان ينتفض الصحفيون، علي مختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية.. ضد هذا القرار وان يقفوا وقفة رجل واحد، كالبنيان المرصوص، فالوقت ليس وقت خلافات وفرقة، ولنا في القضاة قدوة وأسوة حسنة. الذين دافعوا عن الشرعية والقانون، وكانوا يدا واحدة، وعلي قلب رجل واحد لاعلاء كرامة وهيبة الهيئات القضائية، حتي انتصر الحق والعدل. وقد أجد للمجلس الأعلي للصحافة بعض العذر في قراره بطرد الصحفيين بعد سن الستين، وهو عذر أقبح من ذنب، فالمجلس ارتكن علي قانون النقابة الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في سبتمبر 0791 قبل وفاته بثمانية أيام، وكثير من مواد هذا القانون هدفها إذلال الصحفيين والتخلص من الكتاب والمفكرين من معارض سياساته، والتي كان من نتيجتها هزيمة 5 يونيو 7691، ومرت دون عقاب لأحد، وضاعت دماء عشرات الألوف من الشهداء والجرحي، تشكو إلي ربها فساد من حكموا البلاد بالحديد والنار. وتبقي كلمات، ليست عتابا لرئيس الشوري، ورئيس المجلس الأعلي للصحافة، أستاذ الصيدلة بجامعة الزقازيق، بل تذكرة بقيمة الوفاء لقد نسي أستاذ الصيدلة الدفاع المجيد عن هيئات التدريس بالجامعات، عندما صدر قانون د. مفيد شهاب وزير التعليم العالي الأسبق، وبمباركة من د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الذي قام بتمرير القانون في ساعات وكان وزيرا سابقا لوزارة التعليم العالي، لقد طرد قانون د. مفيد شوامخ الأساتذة من الجامعة عند بلوغهم سن الستين وتصدت »أخبار الجامعات« بجريدة »الأخبار« للقانون الكارثة، وطالبنا دون ملل أو كلل باعادة »رصيد الذهب العلمي« إلي الجامعة حتي كلل الله دعوتنا، وتم إلغاء القانون وعاد الأساتذة الرواد إلي كلياتهم مستمرين بها مدي الحياة.. كان اصرارنا علي إعادة »رصيد الذهب العلمي« إلي جامعاتهم إيمانا منا بان الفكر والعلم والفن والإبداع والابتكار لا يحال إلي المعاش إلا في البلاد المتخلفة، ويبدو أننا اصبحنا في طليعة هذه البلاد! أيها الصحفيون الاحرار.. انتبهوا، وافيقوا من سباتكم فاليوم تشريد وطرد الصحفيين والغد أسود من قرن الخروب! مقال في كلمات حرية الصحافة هي صمام الأمان، فإذا اغلقنا هذا الصمام، حدث الانفجار. في الدول الاستبدادية.. إصلاحهم طرد الصحفيين والكتاب والمفكرين.. وترويعهم لحجب الحقائق عن الشعب. الصحف الصفراء من وقت لآخر، يطيب لنا ان نتريض بين بساتين الشعر.. وزهورها دائما نضرة، وتزداد مع الأيام، جمالا وسحرا.. تبعث في القلب والعقل رقة المشاعر كما تمنحك القوة والصلابة لمواجهة صعاب ومزعجات الحياة.. وفي هذه الجولة.. نتأمل زهرة من بستان الشاعر العراقي الكبير عبدالوهاب البياتي.. واختار لها اسما: »الصحف الصفراء«: الصحف الصفراء في زماننا توزع الألقاب تمنح أشباه الرجال العور والأذناب صكوك غفران بلا حساب تطلق غربان الحروف السود تحثو أوجه القراء بالتراب يطن في سطورها البليدة الذباب تنبح في انهارها الكلاب أبطالها مزيفو النقود والتاريخ والأفكار ولاعبو الحبال والمهرجون كاتمو الأسرار وجوقة الأوغاد والأشرار؟ رأيتهم في كل أرض حبلت بالرعد والأمطار تحت نعال الكادحين ويد الثوار منكسي الرايات في عيونهم مذلة وعار ينتظرون إن ماء البحر لن يغسل هذا العار.! بشري.. الشوري باق كثيرا ما طالب الشعب قبل 52 يناير 1102، في ظل حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك بالغاء مجلس الشوري، وإلغاء نسبة ال05٪ للعمال والفلاحين المخصصة لهم في المجالس النيابية.. وطالب الصحفيون باسقاط كافة القيود المقيدة للحريات وبالغاء المجلس الاعلي للصحافة، وبعد 52 يناير.. تجددت المطالب في هدير شعبي في ميدان التحرير.. حتي تعود الحياة البرلمانية دون تمييز لأي فئة من فئات الشعب، ناهيك عن الأموال الطائلة التي تستقطع من دماء الفقراء، ومن المصريين كافة، تهدر في المكافآت والرحلات.. داخل مصر وخارجها.. ان نسبة ال05٪ كانت ضرورية في مرحلة تاريخية عقب ثورة 32 يوليو 2591 إلي جانب ان العمال والفلاحين لم يعد لهم مكان الآن تحت قبة البرلمان، بعد ان سطا علي هذه النسبة كبار رجال الأموال وناهبي الثروات. كان المأمول ان تتحقق هذه المطالب في مشروع دستور البلاد الذي يجري إعداده الآن.. ولكن يبدو ان الأمر جاء علي غير ما توقع الشعب، فقد طالعتنا تصريحات د. محمد محيي الدين مقرر لجنة الأمن القومي المنبثقة عن لجنة نظام الحكم بتأسيسية الدستور، بأن اللجنة توافقت علي بناء نسبة ال05٪، وبقاء مجلس الشوري ثلاث سنوات بعد إقرار مشروع الدستور، علي ان يتحول إلي مجلس شيوخ وعلي بقاء المجلس الاعلي للصحافة. ان هذا التوافق لا يحقق آمال الأمة، بل يعمل علي تكريس مجالس لا قيمة لها أو معني، اللهم إضفاء الحصانة البرلمانية علي أعضاء هذه المجالس.. وما أدراك ما الحصانة البرلمانية.. انها الطريق الملكي آسف الطريق الجمهوري لفرض الحماية والرعاية علي بعض الأعضاء الذين أبدعوا في سلب ونهب أموال الشعب.. وارتكاب الجرائم الإنسانية دون عقاب أو مساءلة أو محاسبة، ويخرجون من جرائمهم كالشعرة من العجين.. والفضل للحصانة البرلمانية.. قد يسألني سائل، وأين ثورة 52 يناير، أقول له لقد أصبحت في ذمة التاريخ. قانون د. الطيب في مؤتمر صحفي لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب منذ فترة أعلن عن ترحيبه بأن يقوم مجلس الشعب بمناقشة التعديلات التي تمت علي قانون الأزهر، معربا عن أمله في أن تدعم أي جهة تشريعية أو تنفيذية ما طرأ علي القانون من تعديلات، جاءت معبرة عن آمال وتطلعات علماء الأزهر الذين انتظروا طويلا اليوم الذي يتحرر فيه الأزهر ويعود إلي سابق عهده منارة إسلامية للعالم كله، ورمزا للكرامة الوطنية، وبيتا للعائلة المصرية. وما صرح به الإمام الأكبر، لا خلاف عليه، بل يلقي كل الدعم والمساندة، ولكن الجدل الذي دار حول القانون الذي صدر بمرسوم من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لم يكن هناك مبرر لاستعجال إصداره، خاصة أن مجلس الشعب كان علي وشك أن يبدأ أولي جلساته، ومنذ اعلان انتخاب المجلس، آلت إليه مسئولية التشريع واصدار القوانين، ولكن السؤال عن جدوي المناقشة بعد ان صدر القانون، وكان المفروض ان تعرض التعديلات التي يراد ادخالها علي القانون قبل صدوره وليس بعد صدوره.. فالقانون لا يتعلق بشخص، وإنما بأكبر منارة إسلامية في العالم وهي مؤسسة حافلة بالكفاءات، والمفروض ان الأزهر أولي الهيئات بتطبيق مبدأ الشوري.. الذي دعا إليه الإسلام حتي يعطي القدوة والأسوة الحسنة لباقي المؤسسات والهيئات، ويذكرني الطلب بحكاية مصرية، رواها المفكر الإسلامي خالد محمد خالد، وهي من التراث المصري، ذات دلالة لا تخفي علي أحد.. تروي الحكاية : كان حكم العثمانيين لمصر وما حولها من البلاد العربية قد تحول في سنواته الأخيرة إلي كابوس، الظلم لحمته، والفوضي سداه، وكان شعبنا الذكي يناوئ هذا الحكم ويحاربه بالنكتة اللاذعة، والمحرضة والرافضة.. فعن طريقة الولاة في أحكامهم وقضائهم يروي الشعب هذه الطرفة: عرضت علي الوالي قضية لا يستحق جانيها عقوبة الاعدام، ولكن الوالي وهو القاضي في نفس الوقت، كان ينضح قسوة وظلما، فحكم علي المتهم بالاعدام، إلي هنا والنكتة الساخرة لم تقل بعد.. فيستكمل النكتة قائلا: ضرب الوالي المنصة بقبضة يده وصاح: حكمنا علي المتهم بالاعدام، والآن نناقش الشهود! من أمثال الشعوب هناك مثل انجليزي يقول: دع الشعب يعتقد انه يحكم نفسه بنفسه، مع أنك انت الذي تحكمه.. واحكمه بعد ذلك كما تشاء. ويقول الفرنسيون: ان كل شعب يحصل علي الحكومة التي يستحقها. ويقول العرب: كما تكونوا.. يُول عليكم. ويقول الاغريق: الممالك تكون سعيدة إذا كان الفلاسفة هم الحكام والحكام فلاسفة.