المظاهرات الحاشدة.. التي تصيب البلد بالشلل ومعها الوقفات الاحتجاجية واضراب عمال النقل العام والاطباء والاعتداء علي القضاة في المحاكم.. وترويع المواطنين بعد ما يقرب من العامين علي اندلاع الحالة الثورية.. تعود لسبب واحد.. هو غياب خارطة الطريق نحو المستقبل.. وغياب الامل! وتلك الحالة.. ليست فريدة.. وليست بدعة.. وقد شهدت اوروبا هذه الحالة سنة 5991.. عندما اندلعت المظاهرات في جميع العواصم الاوروبية.. في توقيت واحد.. وترفع الشعارات نفسها.. وأعلن الطلبة الاضراب.. ومعهم عمال السكك الحديدية والبريد والموظفون وربات البيوت ورأيت.. ايامها.. الشلل التام يصيب كل المرافق في جميع العواصم الأوروبية.. دفعة واحدة.. وفي ايام معدودات.. وعلي الرغم من اختلاف الشعارات التي رفعت اثناء هذه الاحتجاجات.. واختلاف الطبقات الاجتماعية التي شاركت في المظاهرات.. الا انه لم يكن يجمعها سوي اليأس.. والخوف من المستقبل.. امام التحديات الاقتصادية للقرن الجديد بعد انهيار النظم السياسية في اوروبا الشرقية واتساع نطاق الهجرات الجماعية من الشرق إلي الغرب وانتشار البطالة.. والفقر »النسبي طبعا«. كان اليأس.. والخوف من المستقبل.. هو القاسم المشترك الاعظم في اندلاع المظاهرات.. ومطالب الحكومات بانتهاج سياسات اجتماعية جديدة لا تخضع للتعليمات الأمريكية الخاصة بالاقتصاد الحر.. واللافت للانتباه في هذا السياق.. ان اول انتخابات جرت ابتداء من سنة 6991.. اسفرت عن فوز الاحزاب التي سارعت بتقديم روشتات وخطط الاصلاح.. التي استهدفت ازالة مشاعر الاحباط.. واحياء الامل في مستقبل افضل. وفي جميع الاحوال.. كان الامل هو الحل.. الامل.. والاعلان عن برامج سياسية واضحة.. كانا سر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا لسنوات طويلة.. مضت. واذا تأملنا الاوضاع التي نمر بها بعدما يقرب من العامين علي اندلاع الحالة الثورية والاطاحة بالنظام السابق.. واستمرار ثقافة الحشود والدعوة للمليونية تلو الأخري.. والاضرابات التي شملت كل طوائف المجتمع من الاطباء وحتي الصم والبكم.. نجد اننا امام حالة من القلق النفسي العام وتفشي اليأس والاحباط بين عامة البسطاء الذين اشاعت بينهم الحالة الثورية المجيدة في يناير 1102.. موجات متلاحقة من الامل في مستقبل افضل.. تلاشت بمرور الايام.. وآفاق الجميع علي اننا نسير في طريق غامض.. وبلا خطة.. وبلا امل في مستقبل مشرق. والذين احتشدوا في ميدان التحرير منذ أيام.. لم يكن يربطهم هدف واحد ولا دعوة واحدة.. وانما كان يربطهم احساس عميق بغياب الخطط التنموية والمشروعات الوطنية العملاقة التي تسمح بتشغيل الملايين من العاطلين والملايين ممن لا يجدون أي أمل في العثور علي عمل في المستقبل القريب.. او البعيد.. وان القادم هو الاسوأ.. كانوا في حاجة لأمل جديد.. وإلي خطط تنموية واضحة تشيع في نفوسهم الامل في المستقبل. الامل.. هو الذي يوفر للشعوب المناخ المناسب لحل اصعب القضايا واكثرها تعقيدا.. ولذلك فلم يكن من الغريب علي سبيل المثال.. انه عندما تولي المستشار كونراد آديناور السلطة في المانيا سنة 9491 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسط دمار شامل لحق ببلاده.. ووضع مشروعه لاعادة البناء.. بأكثر من مليون مشروع صغير.. ان اطلق عليه الالمان أيامها لقب »مستشار الامل«.. كان اديناور يبلغ من العمر يوم تولي السلطة 37 سنة.. وكانت الحرب الباردة في عنفوان صراعاتها.. ومع ذلك فقد استطاع الرجل العجوز.. ان يبدأ من تحت الصفر بأكثر من مليون مشروع صغير.. لتشغيل ملايين الاسر.. وعندما سئل عن السر في اقامة ملايين المشروعات الصغيرة.. قال بدهاء لانه عندما يفشل نصف هذا العدد من المشروعات اكون قد حققت نجاحا يحسب لمشروعات اعادة التعمير.. وفي سنة 5791.. روي لي احد كبار المسنين ممن عاصروا هذه السنوات.. انه لم يكن يمر يوم واحد دون ان يلحظ فيه المواطن الالماني ان انجازاً ما قد تحقق.. كشارع يضاء بالكهرباء او حافلة ركاب متواضعة تنقل الناس الذين اعتادوا التنقل بالدراجات.. من حي لحي.. ومن منطقة لأخري.. نحن في حاجة لسياسة جديدة.. تتسم بالشفافية كي تشيع بين الناس الامل.. في ان القادم افضل وان الامال العريضة التي واكبت اندلاع الحالة الثورية علي وشك ان تتحول الي واقع.. نعيشه.. ويدخل الطمأنينة في كل القلوب.. وينزع منها التشاؤم والاحباط. نحن في حاجة.. لأمل جديد.. يدفعنا لوحدة الصف وتشمير السواعد.. من أجل البناء.. والتوقف عن الهدم. كل الصراعات زائلة.. ويبقي الامل!