العجوز الذي اعنيه هو.. كونراد أديناور.. أول مستشار لالمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.. الذي تولي السلطة سنة 9491 وكان يبلغ من العمر 37 سنة.. اما المعجزة فهي انه اعاد بناء المانيا بعد الدمار الشامل الذي لحق بها اثناء الحرب.. ونقلها من تحت الارض لفوق الارض. اتحدث عن كونراد اديناور الذي ظل يحكم المانيا لمدة 41 سنة وضع خلالها خارطة الطريق التي لاتزال تسير عليها المانيا.. حتي كتابة هذه السطور.. اتحدث عن العجوز والمعجزة.. وعلاقة العواجيز. بالعجزات!! كانت كلمة السر في تحقيق المعجزة.. ان اديناور كان يعتمد علي السياسات البسيطة ولا يشغل باله بالسياسات المعقدة.. وكان يعتمد علي فن الممكن. وله في ذلك وجهة نظر تقول »انك اذا نظرت لأي مشكلة في الخارج.. فسوف تجدها معقده وغير قابلة للعمل.. أما اذا نظرت اليها من الجذور فسوف تري الواقع.. وتعرف الحقيقة.. لان الحقيقة.. دائما سهلة وبسيطة.. واذا بدأت في الجذور.. فلن يضيع وقتك في التحليلات والاعتبارات المعقده.. وانا لا تشغلني تحليلات المفكرين من عتاولة الحوار والجدل وإضاعة الوقت.. وكان اديناور يقول ان جدل المثقفين وحواراتهم قضية لا تشغله علي الاطلاق.. لانها لا تدفعني للحيرة فحسب وإنما تشغل الرأي العام عن الانجاز اليومي في حل المشاكل البسيطة المتصلة بالحياة اليومية.. كانت المشاكل البسيطة هي الشغل الشاغل لاديناور والتي تدور في مجملها علي السياسة الداخلية.. وبالتالي فقد كان اديناور. هو السياسي الالماني المثالي لحقبة الحرب الباردة. ولم تكن السياسة الخارجية تحظي باهتمامه.. إلا فيما يتعلق من وجهة نظره بالقضايا المهمة.. وكان من النادر ان يدلي بتصريحات او بيانات تتعلق بالسياسة الخارجية.. لانه كان يري انه من الخطأ شغل الصحافة والرأي العام بالصراعات بين القوي الكبري.. ولذلك فلم تكن من بين اهتمامات آديناور عقد مؤتمرات صحفية منتظمة وكان يفضل الحوارات الصحفية. وعلي الرغم من ان اديناور.. كان يستعين بعدد كبير من المستشارين.. إلا انه كان الوحيد.. الذي يتخذ القرارات ولم يكن من حق اي مستشار الادلاء بالتصريحات للصحف لانها من وجهة نظره تثير البلبلة لدي الرأي العام. ويروي أقرب مساعديه الذي عمل معه لسنوات طويلة كسكرتير عام للحزب المسيحي الديمقراطي وهو هربرت بلا نكنهورن ان علاقة اديناور بجميع الوزراء الذين عملوا معه كانت علاقات باردة وتتسم بالفتور.. وكانت في اغلب الاحوال شائكة وكان يري ان الاوضاع الشائكة في البلاد لا تحتمل وجود أجنحة للسلطة.. ويري أنه صاحب السلطة لبلورة الافكار.. اي انه المبلور CRYSTALLIZER ومن ثم فلم يحط نفسه بمجموعة من الساسة من صغار السن من ارباب المواهب لسبب بسيط هو تجنب ظهور اجنحة للسلطة تؤدي لتفكك الإتجاه العام. لم يكن اديناور يتحدث كثيرا. ولم يكتب مذكراته الا بعد ان بلغ من العمر 88 سنة وكانت مذكراته جافة.. صعبة.. ولم يتمكن اقرب معجبيه وانصاره من قراءتها وفهم محتواهات. وكان خصمه اللدود كورت شومان.. زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي يقول في مجال انتقاده لها.. بأن الحصيلة اللغوية للشاعر جوته تضم 92 الف كلمة بينما لم تكن الحصيلة اللغوية لاديناود تزيد عن 002 كلمة. وقد بدأ أديناور سنوات حكمه في المانيا في ظل تقسيم الحلفاء الذين انتصروا عليها في الحرب. الي اربع مناطق.. فالمنطقة الشرقية باتت تابعة للاتحاد السوفيتي.. والمنطقة الغربية جري تقسيمها بين بريطانيا وفرنسا وأمريكا.. وفي ظل سياسة تسعي لتحويل المانيا لدولة زراعية.. غير مسموح لها بالتصنيع إلا بالشروط المجحوفة.. ولا أود في هذه السطور الدخول في الدور الذي بعد اديناور فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للحلفاء.. والانجازات التي حققها رغم المحظورات التي احاطت به.. لانني اكتب عن المعجزة الاقتصادية التي حققها هذا الرجل.. بالتركيز علي القضايا السهلة. فمن اللافت للانتباه علي سبيل المثال انه لا يوجد في المانيا مشروع واحد يحمل اسم اديناور.. افتتح في عهده. في الوقت الذي لا يجري في حديث عن المعجزة الاقتصادية الالمانية.. دون الاشارة لسنوات حكم هذا الرجل.. الذي وضع فلسفة البناء العملاقة.. بالحلول البسيطة.. لمشروعات متناهية الصغر.. وتكوين طبقة هائلة من الحرفيين والعمال المهرة. والمدرسين والمعلمين.. الخ علي اساس ان العمل عبادة.. ونشر ثقافة تقديس العمل واتقانه بين ربوع الامة. لقد تولي آديناور السلطة في الوقت الذي فقدت فيه الامة الالمانية البوصلة التي تحدد المسار الجديد. كما فقدت الامل في الوقوف مرة اخري.. او حتي مجرد استعادة قدرتها علي الحركة. علاوة علي العداء العالمي ووصم الشعب الالماني كله. بأنه شعب من المجرمين.. وكان علي اديناور ان يواجه ذلك بالهدوء.. وبالعقل. كان علي الرجل البالغ من العمر 37 سنة ان يحيي الامل في قلوب القارات الجديدة التي لا تكاد تتوقف.. وعادوا اليها ليجدوها اطلالا.. لا سبيل للوصول إليها الا بتسلق جبال من الاحجار.. وبقايا اثاث وجماجم بين الانقاض. قال لي صديق الماني ممن عاصروا تلك الحقبة انه اختار اديناور في الانتخابات التي جرت سنة 9491 لانه كان اكبر المرشحين سنا.. وعندما سألت عن السبب قال: كان كبر سنه يعطيني الاحساس بالامان.. وانه لن يغامر ولن يدفعه حماس الشباب لارتكاب حماقات لم نكن نحتملها.. كان كبر سن آديناور يعطي الامة الالمانية الاحساس بأنها بين ايدي . أب.. أو جد.. أو عم.. أو خال.. وكانت تحركاته وخطواته القصيرة والتي يتحسس بها الطريق.. من أهم عناصر الاطمئنان الذي فقدته بعد القبض علي حكومة الادميرال دونيتز الذي اسند اليه هتلر ادارة شئون البلاد قبل انتحاره في يناير 5491. الطريف في الموضوع.. ان الزعيم السوفيتي خروشوف.. كان يتطلع لاوينادر.. بنفس نظره الالمان له اي نظرة الحفيد.. للجد العاقل في جلسة خاصة بحديقة الداشا الخاصة بخروشوف في موسكو.. فتح الزعيم السوفيتي قلبه.. وبدأ يشكو لاديناور الي الزيادة السكنية في الصين الشعبية.. وقال له ان الصين هي مشكلتنا الكبري في العالم.. وانهم يزدادون 21 مليون نسمة كل سنة ويبلغ عددهم الان ايامها 006 مليون نسمة.. قال اديناور.. بهدوء كبار السن.. هذه مشكلات بسيطه يمكن حلها.. تطلع اليه خروشوف بدهشة وسأله: هل نستطيع تحديد النسل في الصين؟!. هز اديناور رأسه.. بما يعني انه يستطيع.. فقال له خروشوف.. اذا كان الامر كذلك.. فأرجوك لا تنس ان تفعلها مع الامريكان.. يبدو ان السطور قد سرقتنا ولكن الحقيقة هي ان اديناور هو صاحب المعجزة الاقتصادية في المانيا.. وان كان قد اخفق في تحقيق معجزة أخري لتحديد النسل في الصين.