قد لا يعرف كثير من المصريين السبب الحقيقي وراء استقالة رئيس الجمهورية الألماني هورست كولر منذ أسابيع قليلة الذي حل محله كرستيان ولعل السبب الرئيسي لاستقالة الرئيس هورست كولر هو أنه رجل صادق. لقد صرح بصدق في عالم لم يعد يعرف في السياسة العالمية إلا النفاق وقال بكل صراحة إن القوات الألمانية موجودة في أفغانستان ليس لمجرد أسباب إنسانية أو لتأسيس الديموقراطية وإنما لأسباب اقتصادية حيث إن المصالح الاقتصادية لألمانيا تحتم عليها إرسال قوات إلي أفغانستان وانهالت عليه صحافة المعارضة بحملة شرسة. وطبعًا رئيس الجمهورية في ألمانيا هو مركز رمزي ولكنه علي الرغم من ذلك مركز مهم وما كان ممكنًا أن يقيل رئيس الجهورية أحداً لأنه السلطة التشريعية العليا في البلاد إلا أن شيئًا آخر حدث أزعج الرئيس الألماني وهو عدم تدخل مستشارة ألمانيا ميركل والدفاع عنه وهو ما اعتبره إهانة غير مقبولة وقدم استقالته فورًا. هذه هي نهاية الصدق في السياسة العالمية حتي في ألمانيا ولكن دعنا نبدأ تاريخ مركز رئيس جمهورية ألمانيا من البداية ونلقي نظرة تاريخية مختصرة عنها.. بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولي تنازل قيصر ألمانيا عن العرش ونفي إلي هولندا. بذلك تكونت أول جمهورية ديمقراطية في آخر دولة ديكتاتورية في غرب أوروبا وهي ألمانيا، انتقلت عاصمة ألمانيا من برلين إلي فيمار ولذلك عرفت هذه الحقبة من تاريخ ألمانيا بجمهورية فيمار.. كانت الجمهورية فعلاً مشئومة وبعد تولي بطل الحرب المعروف بورج رئاسة الجمهورية انتقلت العاصمة إلي برلين واستولي النازيون علي الحكم بالطرق الديمقراطية وحولوا ألمانيا من ديمقراطية إلي ديكتاتورية كاملة تحت رئاسة أدولف هتلر وذلك عن طريق البرلمان وهو درس يجب أن تستوعبه مصر قبل أن نتكلم عن الديمقراطية بمفهوم الصحافة والفضائيات الخاصة. بعد ذلك انهارت ألمانيا تمامًا بهزيمة الحرب العالمية الثانية وقسمت إلي شرق شيوعي وغرب تحت الاحتلال الأمريكي الإنجليزي والفرنسي واستطاع المستشار الفذ كونراد أديناور الذي يشبه في صبره وحنكته وموهبته في اكتساب الأصدقاء الرئيس حسني مبارك، أن يحرر ألمانيا أولاً اقتصاديا ثم سياسيا من ذل الاحتلال وحوّل العداء مع فرنسا وأمريكا إلي صداقة دون أن يفقد الأوراق السوفيتية واستطاع أن يقنع الاتحاد السوفيتي بالإفراج عما يقرب من أكثر من نصف مليون أسير من الجيش الألماني. كان رئيس الجمهورية الألمانية في عهد أديناور هو تيودور هويس الذي كان أكثر رئيس جمهورية شعبية ومحبوبًا من الألمان ولقبوه باسم «بابا هويس» كان لهويس واقعة مشهورة حيث أشار بإصبعه بطريقة تلقائية إلي ملكة بريطانيا أثناء زيارتها لألمانيا وهو شيء مهين جدًا في البرتوكول الإنجليزي إلا أن الملكة صاحبة الأخلاق الملكية تجاهلت هذه الإهانة بطريقة غاية في الأدب والأخلاق والصداقة في وجه رئيس جمهورية بلد كان العدو الأكبر منذ بضع سنوات. هذه طبعا أخلاق الملوك وليتنا نرجع لها جميعا في كل العالم رئيس جمهورية ألمانيا موقع مشابه إلي ملكة بريطانيا.. أي أنه لا يحكم وأنا أعتقد أن النظام الموجود عندنا في مصر الآن مناسب أكثر كثيرًا لمصر من أي نظام آخر وأقرب طبعًا إلي النظام في فرنسا وأبعد كثيرًا من النظام في أمريكا أو بريطانيا. بقي أن أقول أن الرئيس الألماني الجديد كرستيان ولف كان رئيس مقاطعة نيذر ساكسن التي مازالت عاصمتها هنوفر حيث المعرض العالمي الصناعي السنوي المعروف وحيث درست الهندسة وكان الوالد يسكن في هذا الوقت في هامبورج وكنت أرتحل مرة كل أسبوع من هنوفر إلي هامبورج كانت أيامًا وكلها ذكريات جميلة أيام زهرة عمر الشباب. تذكرت كل هذا عندما علمت بموضوع استقالة رئيس الجمهورية الألماني. وأرجو أن تسمح الظروف لأرجع إلي نفس الموضوع بإسهاب أكبر ولتكن العبرة من قصة الاستقالة أن النفاق هو ظاهرة عالمية وليست مقتصرة علي الشرق الأوسط وثانيًا الديمقراطية إذا لم نأخذ حرصنا في تطبيقها تقود بطرق ديمقراطية إلي ديكتاتورية مطلقة كما حدث تحت حكم هتلر.