يمر المصريون حالياً بفترةٍ عصيبة، تتأرجح فيها قلوبهم والعقول ما بين متناقضات واضطرابات يومية، تأتى متتاليةً مع مثيرات الأمل ودواعى الإحباط، حتى إن الواحد منا تجده فى ساعةٍ مستبشراً وآمِلاً فى مستقبلٍ مشرق لمصر وأهلها، ثم ما يلبث أن تتلاطمه موجات اليأس والقلق (كان الفيلسوف الوجودى الشهير «كيركجارد» يقول: من المحال أن يفلت الوجود الإنسانى الواعى من اليأس والقلق) وفى أحيانٍ تغمرنا الحيرة، حين تدور بين المصريين تساؤلات ذات قدر كبير من المعقولية والمشروعية، من مثل: هل كان من الضرورى، أو اللازم، أن يعلن الثوار المصريون عن مظاهرات الجمعة الماضية بميدان التحرير، حتى يعلن المجلس العسكرى قبلها بيومٍ عن تلبيةٍ «جزئية» للمطالب الثورية، العادلة جداً، فيضع الثلاثى (زكريا عزمى، صفوت الشريف، فتحى سرور) قيد الإقامة الجبرية، تلويحاً بمحاسبتهم قضائياً؟.. وهل تستطيع اللجنة التى سافرت إلى أوروبا بهدف استرجاع أموال حسنى مبارك وعائلته وحاشيته أن تحقق هدفها من دون محاكمة قضائية وأحكام عادلة، ضد هؤلاء المراد استعادة أرصدتهم المنهوبة من هذا الوطن؟.. وهل يصحُّ أن تُقام مباراة كرة القدم المقيتة التى أُقيمت يوم السبت الماضى، مع غيبة الأمن والمشجِّعين الراشدين، فتحدث بسبب خسارتنا وفوضانا الداخلية هذه المشاهد المزرية التى أثَّرت سلباً فى صورة مصر البراقة، بأكثر مما تؤثر خسارة فريق مصرى أمام فريق تونسى، فى مباراةٍ كان أهم أهدافها هو إلهاء الناس فى مصر عن مصير ثورتهم.. وهل يجوز لطلاب الجامعات المصرية أن (يستهبلوا) باحتشادهم ضد أساتذتهم والعمداء، مطالبين بتخفيف المقرَّر الدراسى (البائس أصلاً) أو بتنحية العمداء والأساتذة، على اعتبار أن ذلك هو أحد «الحقوق الثورية» للطلاب الذين لم يقوموا أصلاً بما عليهم من «الواجبات الدراسية» بينما امتحانات آخر العام تدقُّ الأبواب، ولا بد من وجهة نظرهم أن ينجح الجميع، حتى تكون (الثورة) قد حققت بعض أهدافها؟.. وغير ذلك كثيرٌ من التساؤلات. ■ ■ ■ وهذه التساؤلات ومثيلاتها تدل على أمرٍ أخطر منها شأناً، وأدعى للاهتمام، هو انشغالنا عن الآفاق المصيرية للثورة المصرية، والالتفات عنها (والالتفاف حولها) مع اهتمام الناس بوقائع لحظية ومؤقتة، قد تكون مهمة أو غير مهمة، بدلاً من (حسم) كثيرٍ من الأمور التى لا تحتاج (حكمة) أو (حكماء) من أجل تقريرها. كأن يُحال السبعة البؤساء (مبارك وابنه وإبراهيم سليمان وعاطف عبيد والثلاثى الكريه) المشكوك فى جنايتهم على البلاد، إلى محاكمة فورية «علنية» يظهر معها المدان من البرىء، ونطوى من بعدها هذه الصفحة المخزية من تاريخنا المعاصر.. وكأن يكفَّ البعض عن ترديد الكلام «العجيب» الزاعم بأن محاكمة «مبارك» فيها إهانة للجيش المصرى، لأن مبارك هو رمزٌ لهذا الجيش وبالتالى فلا داعى للضغط على المجلس العسكرى فى هذه الفترة الانتقالية الحرجة، ولا بأس علينا لو ضاعت علينا الأموال المنهوبة، بسبب تقاعسنا عن محاكمة المطلوب محاكمتهم.. وكأن نُلغى مباريات كرة القدم، ونغلق هذا الملف لمدة عام «نظراً للظروف التى تمر بها البلاد» حتى نستأمن أمنياً من تكرار هذه الفضيحة المدوية، إذا ما قصَّر «اللاعبون» فى «اللعب» بأى «ملعب»، واللعب فى واقع الأمر هو نقيض الجدية.. وكأن نوقف الدراسة فوراً، فى الكليات التى لا يريد فيها طلاب العلم أن يطلبوا علومهم، ونرجئ أمر (مطالبهم الفئوية) إلى حين إدراكهم الفارق بين الثورة والاستهبال.. وغير ذلك كثيرٌ من التدابير. إن كثيراً من (الحلول) الفورية واضحةٌ، وعديداً من (المهامِّ) المطلوبة بديهيةٌ. ولا يجوز فى هذه الفترة الحرجة، ومع الظروف التى تمر بها البلاد (بحسب العبارة التى صارت مترددة دوماً) أن ننشغل بالمؤقَّت عن الدائم، وبالتافه عن الخطير، وبالاستهبال عن استقبال الزمن الآتى. خصوصاً مع حالة (التأرجح) المصرية الحالية، ما بين واقعةٍ تثير الهمَّ وأخرى تشيع البهجة، و(التوتر) ما بين خبرٍ سار وآخر يثير الحسرة، و(القلق) بسبب أحداثٍ رهيبة تجرى فى الداخل والخارج من شأنها أن تبعث على اليأس وفقدان الأمل. وقد مَرَّ بنا فى واحدةٍ من مقالات هذه «السُّباعية» أن المفكر والفقيه السياسى الشهير (الماوردى) صاحب كتاب (الأحكام السلطانية) كان يؤكد أن للدول شروطاً ضرورية، لا يمكن قيام أى «دولة» إذا غاب عنها واحدٌ من هذه الشروط الخمسة: الأرض، الشعب، الحاكم، الأمن، الأمل الفسيح.. والشرطُ الأخير هو موضوع مقالتنا اليوم. ■ ■ ■ إن الانهماك فى الوقائع اليومية، والانشغال بها عن رؤية الآفاق المستقبلية، قد يؤدى فى أزمنة الاضطراب إلى فقدان الأمل فى الغد.. وإذا فقد الفردُ الأمل فى الغد قاده ذلك إلى «الانتحار» بالمعنى الفعلى أو المجازى. وإذا فقدت الجماعةُ الثقة فى المستقبل قادها ذلك إلى «الانحلال» بالمعنى القومى أو الأخلاقى.. وبيانُ هذا الأمر سوف نوجزه فيما يلى بقدر المستطاع: للزمان الإنسانى، بحسب المشهور والمتداول، أبعادٌ ثلاثة هى (الماضى- الحاضر- المستقبل) لكننا إذا أمعنَّا النظر ظهر لنا أن للزمان بُعدين فعليين هما: الماضى والمستقبل. أما الحاضرُ، فهو بُعْدٌ افتراضىٌّ تصوُّرىٌّ (ذهنى) لا يوجد فى الواقع الفعلى، وإنما هو موجودٌ فقط فى أذهاننا. فلا توجد لحظة فعلية اسمها (الآن) لأننا بمجرد الإشارة إلى هذه اللحظة تكون قد انتقلت إلى حيِّز الماضى. فالزمانُ الإنسانى إذن، أو بالأحرى «الوعى الإنسانى بالزمان»، إنما هو حالة انتقالٍ دائمٍ وعبورٍ من المستقبل إلى الماضى، من خلال الواقع الافتراضى المسمَّى مجازاً (الحاضر) الذى هو فى حقيقة أمره بوابةٌ مفتوحةٌ دوماً بين الآتى والفائت، بين المستقبل والماضى.. وقد أبان عن هذا الأمر عديدٌ من الفلاسفة القدماء والمحدثين، بطرقٍ مختلفة، ابتداءً من الفيلسوف القديم «هيراقليطس» ومروراً بالفيلسوف الشهير «برجسون». وللإنسان (الفرد) ارتباطٌ وثيق بماضيه، وتعلُّقٌ دائم بمستقبله. بل يمكن القول إن أى فردٍ منا هو فى حقيقة أمره صورةٌ لماضيه وما مرَّ به وفيه (أسرته، بلده، تعليمه، خبراته الماضية.. إلخ) ولذلك قال بعض المفكرين: كُلُّ إنسان سجينُ خبرته.. غير أن الإنسان لا يحيا على الماضى، وحده، وإنما يعيش فى حالة ولوج دائم إلى المستقبل، فهو يرتدى ملابسه من أجل الخروج من بيته (فى المستقبل القريب) وإنجاز عملٍ ما (فى المستقبل القريب) والحصول على نفعٍ ما (فى المستقبل القريب) والاطمئنان إلى أيامه القادمة، وما قد تحمله من خيرٍ له ولأهله (فى المستقبل القريب والوسيط والبعيد).. ولا يوجد فعلٌ إنسانىٌّ واحد، لا يقوم دوماً بالانتقال من الماضى (عبر الحاضر المفترَض) إلى المستقبل. فإذا فقد الإنسان قدرته على العمل من أجل الآتى، أو عجز عن الأمل فى المستقبل (ولو بقَدْرٍ ضئيل) صار انتحاره محتوماً، وتردَّدت فى جنبات نفسه اليائسة تلك المعانى التى صاغها شاعرنا البديع «أمل دنقل» حين قال فى زمن القهر الذى عاينه وعانى منه: آه، من يوقف فى رأسى الطواحين؟ ومن ينزع من قلبى السكاكين؟ ومن يقتل أطفالى المساكين؟ لكيلا يكبروا فى الشقق المفروشة الحمراء خدَّامين.. مأبونين.. قوَّادين.. ■ ■ ■ وهذا الانتحار الفردى، حسبما فصَّله عالم الاجتماع الفرنسى الشهير «إميل دوركايم» فى دراسةٍ شهيرة، له دوافع كثيرة وأسباب متعددة، لكنها تدور فى النهاية حول محور واحدٍ، هو افتقاد الأمل فى الآتى.. والانتحار الفردى، حسبما أرى، لا يكون فقط (فعلياً) بمعنى قتل الإنسان لنفسه، لكنه قد يكون انتحاراً مجازياً بمعنى العزوف عن الحياة والانزواء عنها مع تزايد الاضمحلال الذاتى، وصولاً إلى الحالة التى كان «سارتر» يسمِّيها: الوجود الذى جمد فيه الوجود. أما الانتحار الجماعى، بمعنى فقدان الجماعة أو الدولة لوجودها (السياسى)، فقد يكون فعلياً إذا تفتَّتت الدولة واضمحلَّت، وهو ما حدث مع الإمبراطورية الرومانية القديمة، ومع ممالك كثيرة ودولٍ قامت ثم بادت، مثل مملكة زنجبار ودولة الإسلام بالأندلس والدولة المغولية فى أواسط وغرب آسيا، والدولة المصرية السودانية التى صارت مؤخراً: مصر، السودان الشمالى، السودان الجنوبى. ومن المحتمل أن ينقسم الجنوب السودانى بعد حينٍ إلى دولة جنوب الجنوب (الوثنية) ودولة الجنوب الشمالى (المسيحية) فلا يجد شمال السودان بداً من اعتبار ذاته الدولة (الإسلامية) التى قد تطالب بحلايب وشلاتين، وتهدِّد حوافَّ بحيرة ناصر التى تمد مصر بالطاقة، فيزداد مسار النيل تهديداً على تهديد. وقد يكون الانتحار الجماعى مجازياً، بمعنى تفكُّك العناصر الجامعة بين أبناء الوطن، وترهُّل البدن القومى وتفصُّده على النحو الذى رأيناه عند سقوط الاتحاد السوفيتى، وبعد الغزو الغربى للعراق والتدخل الأمريكى فى الصومال.. ولا أحد منا يتمنى أن يراه مستقبلاً فى ليبيا، التى انقلبت ثورتها إلى نزاع إقليمىٍّ وقَبَلىٍّ مسلَّح، لا يعلم مبتغاه ومنتهاه إلا الله. كيف يمكن للفرد (والجماعة) أن يستعصم من الانهيار، ويحفظ نفسه من خطر مخايلة الانتحار، الفعلى والمجازى؟.. إن السبيل إلى ذلك، بالنسبة للأفراد والدول، لا يمكن بغير الرنوِّ (التطلُّع) إلى المستقبل. ولا سبيل إلى استشراف هذا المستقبل إلا بإحياء الأمل وإشاعة الاستبشار، ولا سبيل لإحياء الأمل إلا بخطط العمل. ■ ■ ■ ما المقصود بخطط العمل؟.. لقد كان فى بلادنا تعبير شهير، تمَّ تداوله حتى بلغ حَدَّ الابتذال وفقدان الدلالة، هو تعبير: المشروع القومى! وقد التقيتُ مؤخراً بأحد المصريين الذين يعملون بدول الخليج، وحين أخبرنى بأنه قضى هناك ثلاثين عاماً، ولا يريد الرجوع، سألته عن سبب إصراره على الاغتراب، فلم يقل إنه يحب جمع فتات الدراهم والدنانير، وإنما قال: لأن الأحوال فى مصر سيئة، وليس لديها مشروع قومى.. (كانت تلك هى إجابته السخيفة، التى لم تحدِّد أىَّ مشروع، وأياً من الناس سيقوم به أثناء غيبة صاحبنا الذى خرج من داره). وقد جرى الترويج لهذا المصطلح المخايل «المشروع القومى» فى فترةٍ سابقة من فترات الضياع المصرى، ليكون بديلاً عن خطط العمل الفعلية التى تأخذ بالبلاد والعباد إلى سُبُل النهوض الحضارى، فإذا اشتكى أحدٌ من نقص الخدمات والتقصير فى الأداء الحكومى أخرسوه بقولهم (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) لأن «القضاء على الاستعمار وأعوانه» هو بحسب زعمهم الباطل: المشروع القومى لمصر.. وإذا قال قائل إن إسرائيل دولة ديمقراطية اعتقلوه بتهمة الانحراف عن المشروع القومى المعبر عنه بالكذبة الشهيرة: سوف نُلقى بإسرائيل ومَنْ وراء إسرائيل فى البحر.. وإذا تفاصح أحدهم وصرَّح للرئيس السابق مبارك بأن مصر تحتاح مشروعاً قومياً أجابه مبارك على الملأ بقوله بالعامية: عندنا مشروع توشكى، ومشروع الإصلاح.. (وقد كتبتُ ذات يوم: الذين أفسدوا فى الأرض لا يمكن أن يكونوا هم المصلحين فيها). المهم، أن مرادى بخطط العمل التى تُحيى الأمل ليس التنادى إلى (مشروعات قومية) قد تكون بلهاء، وإنما أقصد بذلك طرح (برنامج زمنى محدَّد) لكل ما نودُّ مستقبلاً الشروع فيه، انطلاقاً من مجموعة مفاهيم عامة وقواعد للعمل وإطارٍ نظرىٍّ يمكن صياغة ملامحه العامة عبر النقاط التالية: 1- الخروج من حالة التلكؤ العام، بحسم الأمور العالقات فى فضاء الواقع المصرى المعاصر، واتخاذ خطى فعلية حاسمة لمحاكمة علنية وعاجلة لرموز النظام السابق، مهما كان من (الضغوط) الخفية لمنع ذلك.. ويلحق بذلك إصدار أمر عسكرى بمعاقبة الذين يستغلون زمن الثورة وغياب الأمن، للاعتداء على الأرض الزراعية بالبناء، وتعلية الأدوار المخالفة، وتشويه المبانى الأثرية (بمثل هذه الشرفات الخشبية القبيحة التى شوَّهت مبنى رئاسة جامعة الإسكندرية، وجرى عملها على عجل الأسبوع الماضى، لتكييف المكاتب) وغير ذلك من «العوالق» مع وضع إطار زمنى محدَّد، للانتهاء من كل أمرٍ منها. 2- إعلان المقدار الحقيقى لديون مصر، المدنية منها والعسكرية، وحصر كل الأموال التى تم التحفظ عليها مؤخراً، فى الخارج والداخل، وعدم المبادرة إلى قبول (المعونات) الخارجية، لأنها فى واقع الأمر تُهين بأكثر مما تعين. ولا عبرة هنا بزعم الزاعمين أننا نحتاج القمح الأمريكى، فقد كان قمح مصر دوماً يفيض عن حاجة أهلها، وإن اقتضى الأمر فمن الممكن أن نستغنى عن المحاصيل الاستهلاكية، مثل الكانتالوب، لزراعة المحاصيل ذات الطابع الاستراتيجى العاصم من ذلة (المعونة) وحقارة الصاغرين الذين يمدون أيديهم ابتغاء عطايا الآخرين. 3- الخروج من حالة التقوقع المصرى على الذات، التى سادت فى الأربعين سنة الماضية، وازدادت مع قيام الثورة قبل أسابيع. لأن بلادنا لا تعيش منفردة فى هذا العالم، ولا يمكن أن تمضى قُدُماً وهى تغضُّ النظر عما يجرى حولها، وعلى حوافِّ حدودها. خاصةً فى أيامنا هذه، المدلهمَّة (المضطربة) التى تتداعى فيها الأمم القوية عسكرياً، وتتكالب على نفط ليبيا وخيرات منابع النيل واستثمارات دول الخليج.. فضلاً عن إسرائيل التى أصابتها ثورتنا الأخيرة بالرعب والارتباك، بأكثر مما فعلت حروبنا السابقة معها (وكان معظمها بلا طائل ولا انتصار ولا هدف إلا استبقاء الحكومات العسكرية التى فشلت فى تحقيق النصر، وعجزت عن تنمية البلاد). 4- حصر المشاريع الكبيرة التى توقفت أو تعطلت الاستفادة الكاملة المرجوة منها، وتبيان أسباب توقفها ودواعى تعطيلها، ثم النظر فى إمكان استكمالها ووضع خطة زمنية للانتهاء منها.. ومن هذه المشاريع الكبرى (المعوَّقة) وذوات الاحتياجات الخاصة: توشكى، شرق التفريعة، الأراضى الصحراوية المستصلحة، إعمار المدن الجديدة، توطين سيناء، النهضة بالجامعات (أو إغلاقها لحين إصلاح أمرها) والقضاء على «نظام» الدروس الخصوصية. 5- الخروج من حالة المركزية القاهرية المزمنة، بإخراج عدد من الوزارات والمناطق العسكرية والمؤسسات الطافحة بآلاف العاملين (كمبنى ماسبيرو) إلى المجتمعات العمرانية الجديدة. وهو الأمر الذى يتضمن إنهاء طريقة «المماليك» فى الحكم والتمحور حول بيت الحاكم، والاعتماد على الوسائل الإلكترونية فى الإدارة وتسيير الأعمال، مثلما تفعل البلاد المتقدمة. 6- الكفّ عن تصرفات وأساليب الحكومات السابقة فى (الجباية) بفنون الضرائب والتقديرات الجزافية لمخالفات المرور.. والكفّ فى الوقت ذاته عن التساهل والسبهللة (هذه الكلمة عربية فصيحة) فى محاسبة المقصِّرين الذين أدت طريقتهم الخبيثة فى العمل إلى الإضرار بعموم الناس. وإعلان المسؤولين عن فضائح مثل «الكبارى التى انهارت بعد بنائها، الطرق السريعة التى أسرع إليها العطب، البنايات التى تعالت بمخالفة القانون كمجمع سان استيفانو بالإسكندرية» وتحديد موعد زمنى للانتهاء من محاسبة المسؤولين عن ذلك، لضمان عدم العودة إلى مثله مستقبلاً. 7- تحديد المجال أمام الانتهازيين من الرجال، بعدم قبول (إفتاء) رجل الدين فى أمور السياسة والتعليم والاقتصاد والفن والأدب، وعدم إفساح المجال لأهل الرياضة والفن فى (الفتِّ) بكل صغيرة وكبيرة مما يعرفون وما لا يعرفون، وعدم اللعب السياسى بالمشاعر الدينية على اعتبار أن الحاكم هو (أبو) كل المصريين، وأن مصر هى (أم) الجميع.. (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). وبالطبع، فهذه النقاط السابقة ليست (خطط عمل) وإنما هى الأساس الذى يجب أن تقوم عليه خطط العمل المصرية.. وبالطبع، فإن شرط تحقيق هذه الخطط المستقبلية مرتبط بتطهير ذواتنا من آثار المرحلة السابقة، وعقد النية للارتقاء بالبلاد (إذ لا يصحُّ العمل إذا لم تصحّ النية).. وبالطبع، فإن كثيرين من الناس فى الخارج، وعديداً منهم فى الداخل، لا يحبون لمصر أن تقوم من كبوة الثلاثين عاماً (المباركية) والستين عاماً (الضباطية الأحرارية).. وإلى ذلك ، وجب التنويه ويجب الانتباه. ■ ■ ■ وبعد.. فسوف أعاود، ابتداءً من الأسبوع المقبل، الكلام عن فتح إفريقية والأندلس (ما لم يجدَّ جديدٌ خطيرٌ) انطلاقاً من أن معرفة الماضى، حسبما أسلفنا، هى مقدمة ضرورية لاستشراف المستقبل، وتأسيساً على أن الزمان الإنسانى الفعلى، كما أوضحنا، هو انتقال دائم وعبور من الماضى إلى الآتى.