أحمد طه النقر ما شهده ميدان التحرير أمس الأول كان موقعة جمل ثانية بمعني الكلمة.. فقط كانت تنقصها الجمال والخيول.. والغريب أن مَن هاجموا الثوار والمتظاهرين المسالمين هذه المرة ومارسوا كل هذا العنف وأسالوا هذا الكم من الدماء. جاءوا الي الميدان بدعوي الإحتجاج علي أحكام البراءة في موقعة الجمل الأولي!!..كان التحالف الديمقراطي الثوري قد دعا منذ نحو ثلاثة اسابيع الي التظاهر في ميدان التحرير والمحافظات من أجل ثلاثة أهداف وشعارات رئيسية هي دستور يحظي بقبول كل المصريين ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وحماية الوحدة الوطنية..ثم أُضيف هدف أو شعار رابع للمظاهرات هو القصاص من قتلة الشهداء، وذلك اثناء الاجتماعات التنسيقية لهذه المظاهرات والتي استضافتها الجمعية الوطنية للتغيير.. ثم أُضيف اليها مطلب القصاص من قتلة الشهداء قبل صدور حكم البراءة في قضية موقعة الجمل..ومن الواضح أن هذا المطلب أشمل وأعم من مطلب إعادة محاكمة المتهمين في موقعة الجمل الذي رفعته جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة شعارا لمظاهراتهم..ولكن الغريب والمثير لكثير من الشكوك والريب أن تدعو جماعة الإخوان وحزبها الي التظاهر في الميدان تحت شعار مختلف في نفس مكان وزمان المظاهرات التي دعت اليها القوي الثورية والوطنية مما كان يعني أن هناك نوايا مبيتة للتحرش والاحتكاك بالقوي صاحبة الدعوة للمظاهرات الاصلية التي حُددت أهدافها ومواعيدها وطرق سيرها مسبقا..وهذا هو ما حدث بالفعل إذ تعرض متظاهرو القوي الثورية والوطنية لهجمات منظمة من ميلشيات مدربة جيدا علي الكر والفر مما اوقع أكثر من 120 إصابة وصفت بعضها بأنها خطيرة..وكان من الممكن أن يتحول الامر الي حمام من الدم ويسقط شهداء ابرياء لولا انسحاب متظاهري الإخوان الي محيط دار القضاء العالي بأوامر علنية وصريحة من قيادات الجماعة بعد رد هجماتهم ومحاصرتهم من قبل الثوار في الميدان.. وكانت القوي الثورية والوطنية والاحزاب السياسية التي دعت الي المظاهرة قد حذرت من مغبة تظاهر الإخوان معهم في ذات المكان والزمان إذ كان الجميع يخشي احتمالات الاحتكاك والتحرش والاشتباك..والواقع أن الجماعة وحزبها كان يمكنهم منع وقوع هذه الكارثة بالدعوة الي التظاهر في مكان آخر أو تحويل مظاهراتهم الي وقفات احتجاجية أمام المساجد كما حدث وتراجعوا عن الدعوة الي مليونية في ميدان التحرير بعد أحداث السفارة الامريكية ردا علي الفيلم المسيء للرسول ( صلي الله عليه وسلم) حيث لاحظ جميع المحللين والمراقبين أن هذه المليونية تحولت فجأة ، وبقدرة قادر، الي مجرد وقفات احتجاجية أمام المساجد بعد مكالمة هاتفية من الرئيس الامريكي باراك اوباما للرئيس محمد مرسي!!..أيضا لاحظ المراقبون أن جماعة الإخوان وحزبها نسوا أو تناسوا أنهم هم الحكومة الآن وأن مظاهراتهم بلا معني لأن مطالبهم يمكن إبلاغها الي رئيس الجمهورية أو الحكومة مباشرة لأنهم يسيطرون علي السلطتين التشريعية والتنفيذية..أما القوي المعارضة فليس أمامها إلا التظاهر والاحتجاج بشتي وسائل التعبير المشروعة لتوصيل مطالبها الي السلطة التي يحتكرها الإخوان ، وهذا حقهم الذي لا يماري فيه أحد ما دام أنهم حصلوا عليه عن طريق صناديق الاقتراع.. وأخيراً.. يبقي القول إن ما حدث في ميدان التحرير ارتد عارا وخزيا علي مرتكبيه وإن مَن يختار طريق الديمقراطية عليه ليس فقط التخلي عن العنف بل أيضا الإيمان باللاعنف..