سمىر عبدالقادر وفجأة أدركت أن هذا الهاتف الذي يحدثها.. ما هو الا الشيطان الجمعة أحست بقلبها ينتقض.. وكيانها يهتز.. ونفسها تضطرم بانفعالات وخواطر غريبة.. شعرت بصراع خفي يدور في داخلها.. أفكار جريئة تداهمها دون أن تدري سببها.. هاتف في اعماقها يحرضها علي الاثم.. ويدفعها الي حافة الهاوية.. ودهشت لما يحدث لها.. لقد زادت عن نفسها الخطيئة اكثر من عشرين عاما.. ظلت خلالها فتاة طاهرة فاضلة لم تخطيء مرة واحدة.. ولكن ها هي الان تقع فريسة لافكارها.. وتكاد تستسلم للخطأ. هل ملت الحياة الطاهرة؟؟ هل هي ثورة مفاجئة اندلعت في نفسها علي التقاليد والعادات والمجتمع.. هل هي الرغبة المكبوته في جسدها بدأت تستيقظ؟. وسألت نفسها. هل يمكن أن اقضي حياتي هكذا بين أركان هذه الغرفة.. الي متي سأظل محرومة من متع الحياة.. الي متي سأعيش في هذا الحرمان.. لا أحيا تلك الحياة التي تحرك الوجدان.. وتعصر الفؤاد.. وتثير الاشجان. لماذا أعيش في هذه الكآبة والظلام.. وأنا مازلت شابة في ربيع العمر. الي متي سأظل غارقة في همومي ووحدتي.. أن البسمات لا تعرف طريقها الي شفتي.. الفرحة تضل السبيل قبل ان تصل الي قلبي!. وفجأة ادركت ان هذا الهاتف الذي يحدثها ما هو إلا الشيطان.. فنهضت من مقعدها وجرت نحو الشرفة كأنها تريد ان تهرب منه.. ولكنه أبي أن يتركها وظل يلاحقها.. .... قال لها هامسا.. هل يمكنك ان تقولي لي لماذا تعيشين؟؟ للحب.. كلا.. انت لا تحبين.. لمتع الحياة؟؟ كلا.. فأنت تحرمين نفسك من كل المباهج والمتع!! قالت في اصرار ولكني راضية وسعيدة بحياتي.. لماذا لا تبتعد عني.. وتتركني في حالي. قال: لماذا لا تستمعين انت الي نصيحتي.. وتتركي هذه الغرفة الكئيبة.. وتذهبي الي مكان صاخب.. يمتليء بالانوار. وتتلألأ فيه الاضواء. ويصدح بالموسيقي والالحان.. لعلك تجدين هناك من يحبك وينتشلك من وحدتك وضياعك؟. قالت.. أنا لا اشعر بالسعادة الا هنا في هذه الغرفة الصغيرة.. انظر الي عشرات الكتب التي اقتنيها.. قال: انت واهمة يا صديقتي.. لو فعل الناس مثلك لاجدبت الحياة. واصبحت مملة وامتلأت بالاحزان والمخاوف والقلق.. وعاش المجتمع في ضياع ووحدة. وملل!. قالت.. هذا هو عالمي الذي احبه ولا يقاسمني فيه احد.. اذهب عني.. وأغرب عن وجهي.. لا تحاول غوايتي أو اغرائي.. فلن استجيب لوسوستك. ولن تجدي محاولاتك معي أيها الشيطان .... قال: أنت مخطئة.. أنا لست الشيطان كما تظنين.. بل أنا هو أنت.. أنا المرأة الحقيقية التي تعيش بداخلك.. هي التي تحدثك وتتكلم معك.. صدقيني.. أن ما تفعلينه ما هو الا كذب وخداع. أنت لست فاضلة وطاهرة كما تعتقدين.. أنت تضيعين عمرك هباء.. وتحرمين نفسك من الحب.. والمتعة.. وتعيشين حياتك وكأنك راهبة في محراب. أو قديسة في معبد تضيعين عمرك في أركان هذه الغرفة. وتحجبين عنك النور.. والاضواء.. والموسيقي.. والرقص.. والحب.. انظري كم انت تعيسه وشقية.. انظري الي جمالك الذي بدأ يضمر ويذبل ويزوي.. وأنت ما تزالين في زهرة شبابك!!. قالت: لا تحاول ان تبدو في قناع آخر.. وتنتحل شخصيتي.. وتدعي أنك هو أنا.. أنت الشيطان بعينه.. ولن تنتصر علي ابدا.. ومن الافضل لك أن ترجع عني. قال أريد ان انتشلك من وحدتك.. وسذاجتك.. كفاك خذاعا لنفسك.. اخلعي هذا الرداء الذي تخفين تحته شعرك المسترسل الناعم ومفاتن وجهك الجميل.. تخلصي من هذه الملابس التي تبدد سحر قوامك، وتقتل أنوثتك.. وجاذبيتك. قالت: وقد روعها هذا الكلام.. وبدأت تشعر بدبيب خفي يسري في كيانها.. ودموع ساخنة تصعد الي عينيها، ابتعد عني أيها الشيطان.. وألا احرقتك.. كما تحرقني! قال: يالك من حمقاء ساذجة.. تبكين.. وفي مقدورك أن تفرحي وتضحكي!. قالت: أنا لست كما تظن.. أنا احتقر الخطيئة.. أكره الجسد وأقدس الروح.. قال: هل نسيت أنك خلقت من روح وجسد.. فكيف تنكرين الجسد؟. قالت: لاني اكرهه.. أنه مصدر الخطيئة.. والرغبة.. والاثم! قال: اذن.. أنت لست امرأة مثل باقي النساء!!. قالت: وقد شعرت بالمهانة. وأحسست أنه جرح انوثتها.. وطعنها في كبريائها وكرامتها.. أنا امرأة رغم أنفك! .... قال: ما دمت كذلك.. فلماذا تتنكرين لجنسك.. وتهربين من عالمك الذي تنتسبين اليه.. وتتجاهلين أنوثتك.. وجمالك؟!. قالت: أنا أفعل هذا بإرادتي وقوتي حتي أبتعد عن الخطيئة.. وأحمي نفسي من الرذيلة.. قال: ومن أين لك تلك الإرادة والقوة. ما أنت إلا بشر من ماء وطين.. مخلوقة ضعيفة لا حول لك ولا قوة!! قالت: الارادة والقوة استمدها من إيماني بالله. قال: »وهو يقهقة في سخرية« إذا كنت مؤمنه بالله حقا.. فلماذا لا تنظرين في المرآة وتشاهدين ما حباك به الله من سحر وجمال. قالت: هذا الجمال ليس ملكي.. انه ملك لصاحبه وصانعه وخالقه.. وما أنا الا حارسة له.. مهمتي ان اصونه طاهرا.. احافظ عليه من الخطيئة واحميه من العبث حتي يأتي الرجل الذي له الحق فيه. قال »وضحكاته الساخرة تدوي كالرعد« أوهام.. أكاذيب.. تخاريف.. هل هذا كل ما عندك؟!. قالت: ما عندي يكفيني لكي اعيش سعيدة وفاضلة وطاهرة. قال: »وقد بدأت ضحكاته الساخرة تتلاشي« أنت في الحقيقة لست سعيدة أو فاضلة.. ولكنك مغفلة وساذجة!. قالت: وهي تصرخ في غضب.. أنصرف عني أيها الشيطان الاحمق ولا تعد مرة أخري. وفجأة انخرس الصوت الذي يأتي من أعماقها.. فأدركت انها انتصرت علي الشيطان.. وأجبرته علي الانسحاب وهو يجر ذيول الهزيمة.. وأحست بهدوء يشمل قلبها ونفسها وكيانها.. فأوت الي فراشها.. وأسبلت اجفانها.. واستغرقت في نوم عميق.. وقد انبعث من وجهها نور الهي. يوم السادات السبت كلما حان موعد الاحتفال بذكري انتصار اكتوبر العظيم تتزاحم في رأسي الذكريات، وتتوالي علي خاطري احداث هذا اليوم الحزين الذي تلقيت فيه نبأ استشهاد كبير العائلة أنور السادات.. كنت وقتذاك في العاصمة البريطانية، لندن.. كانت السماء ملبدة بالغيوم. والامطار تنهمر بشدة تصطدم قطراتها في عنف بزجاج نافذة غرفتي بالفندق فتحدث صوتا رتيبا مزعجا.. وفجأة سمعت طرقات عنيفةعلي الباب، كان الطارق موظف الاستقبال وناولني صحف الصباح وهو يقول بصوت حزين.. مسكين السادات.. قلت في لهفة. هل حدث له مكروه. قال: آطقوا عليه الرصاص، وللاسف تمكنوا منه.. قلت والعبرات تكاد تحبس صوتي. كيف حدث هذا ومن وهم هؤلاء الجبناء؟ فأشار الي الصحف وقال ستجد هنا كل شيء عن الحادث الاليم.. وعلي اقرب كرسي القيت بجسدي المنهار. وأخذت اقرآ كيف امتدت يد الغدر الاثمة الي الزعيم السادات. كانت الصدمة قاسية بالنسبة لي وأنا بعيد عن الوطن.. كان قلبي قلقا علي مصر.. كنت أترقب الاخبار واتابعها لحظة بلحظة في محطات التليفزيون. واذاعات العالم.. كنت أخشي عليها من مؤامرات الحاقدين والكارهين والحاسدين، بعد أن جعلها السادات أرض السلام واصبح كل موطن فيها يفخر بمصريته ويرفع رأسه في كل مكان في العالم. لقد حدث ذات مرة أن دخلت في أحد المطاعم في باريس بعد مبادرة السلام التي قام بها الزعيم الراحل أنور السادات وعندما جلست الي المائدة لم يهتم بي احد.. حاولت ان انادي الجارسون، ولكنه كان يتجاهلني متعمدا.. وظلت هكذا فترة طويلة.. ثم لاحظت ان أحد الجرسونات، يتحدث مع زميل له وهو يشير الي ناحيتي. ثم ضحك الاثنان، ولم استطع ان أكبح غضبي، فنهضت من مقعدي وتوجهت اليه وقلت له.. هل من الادب ان تضحك علي الزبائن؟ قال في سخرية. إن المحل مزدحم وليس لدينا الوقت لخدمة أي عربي! قلت: أنا مصري.. قال والاسف قد بدا علي وجهه. إنني اعتذر يا سيدي عما حدث.. كنت لا أعرف أنك قادم من عند السادات رجل السلام!. هذا هو السادات بطل السلام كما يراه المواطن العادي في أي بلد في العالم.. هذا هو السادات الذي أعاد الكرامة الي مصر والي كل مصري.. إبتسم للحياة قال الزوج لزوجته الغاضبة.. بالعكس أنني أحب أقاربك جميعا، حتي أنني احب حماتك اكثر من حماتي!.