سبب إضافي، أشعرني بان مصر في عهد الرئيس محمد مرسي، تسير في الاتجاه الصحيح. ليس فقط فيما يخص الشأن الداخلي، الذي سيشهد استقرارا، وتنمية، وغيابا للفساد، ولكن علي صعيد السياسة الخارجية. عندما تابعت التصريح الذي أدلي به الرئيس الأمريكي اوباما، وقال فيه، إن علاقات واشنطن مع القاهرة، لم تعد في "خانة الحليف"، ولم تصل إلي" درجة العداء". فالمعني واضح، لا يقبل اللبس، أو سوء الفهم، رغم انه جرت محاولات للتخفيف منه، بالحديث المموج، والذي يخلو من اي معني، وجاء علي لسان المتحدث الرسمي للبيت الأبيض. بان كلمة "حليف" لها مدلول قانوني. يستلزم وجود اتفاقية بين البلدين. ومهما كان الأمر، فكل التطورات الأخيرة، تؤكد وجود ضرورة لصياغة جديدة للعلاقة بين البلدين. مخالفة تماما للنسق العام لها منذ بداية ثورة يوليو. حيث تفاوتت مابين "العداء"، الذي كان سمة أساسية في الحقبة الناصرية. خاصة في الستينات، وانحياز واشنطن التام إلي إسرائيل في معاركها العربية. والتي وصلت إلي درجة التبني، سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا. وحدث التحول الأكبر، بعد تولي الرئيس السادات الحكم. حيث سعي منذ أيامه الأولي، إلي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. وسط تمنع من الإدارة الأمريكية، التي لم تكافئه علي خطوة طرد الخبراء الروس من مصر في عام 1972. والتي كانت بداية النهاية، للوجود السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط. وتغير الحال بعد حرب أكتوبر المجيدة، وقناعة النظام في زمن السادات، بان 99٪ من أوراق قضية الشرق الأوسط في يد أمريكا. وتحولت مصر السادات إلي ركن مهم، وجزء فعال من الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة. وزادت العلاقات قوة ومتانة، بعد الدور الأمريكي في التوصل إلي معاهدة السلام مع إسرائيل. ويبدو أن أمريكا بعد أن استنفدت كل أغراضها، وأهدافها من أنظمة دكتاتورية، مثل شاه إيران، ومن بعده السادات، لم تجد أي غضاضة، في المساهمة في إسقاطهم. ونزع الحماية عنهم، وتشجيع عملية التخلص منهم، بثورة الخميني في إيران. واغتيال السادات علي يد عناصر الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد في أكتوبر1981. وتميزت مرحلة مبارك، بتكريس "التبعية" للولايات المتحدة، ساعد علي ذلك طول فترة حكم مبارك، التي استمرت ثلاثين عاما. توافد عليه أكثر من خمس رؤساء، من ريجان إلي اوباما. كما تميزت بتحولات استراتيجية مهمة، وأحداث ضخمة. زادت من متانة تلك العلاقة، منها حرب الخليج الأولي، والثانية، وغزو العراق. ومنها أيضا مؤتمر السلام في مدريد. واتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبداية التطبيع العربي مع تل أبيب. وإثارة ملف إيران النووي. وفي كل الأحوال، كانت مصر مبارك" رديفا "للإستراتيجية الأمريكية. وظلت فاتورة المكاسب المصرية، من حالة التبعية منخفضة، ومحدودة، اقتصرت علي ديمومة المساعدات الأمريكية. والتي أقرتها اتفاقية كامب ديفيد. سواء الاقتصادية، والتي تدنت المبالغ المخصصة لها. وأصبحت لا تمثل أي نسبة، مقارنة بالدخل القومي لمصر. بل هناك خطط لم يتم تفعيلها، بالاستغناء عنها. وهناك المساعدات العسكرية، والتي وفرت جزءا من احتياجات الجيش المصري. ومع مرور السنين، تضاءلت قدرة نظام مبارك، علي المناورة، أو المواجهة، و التمسك بثوابت السياسة الخارجية المصرية. والحفاظ علي المصالح القومية العليا بعد أن تحولت قضية التوريث، إلي مسألة حياة أو موت. في ظل قناعة من النظام السابق، بان التوريث لن يمر. سوي بدعم وموافقة واشنطن. وتسببت ثورة الشعب المصري في يناير قبل الماضي. في حالة إرباك كبيرة للولايات المتحدة. التي استغرقت بعض الوقت لتنهي ترددها. مابين دعم حليفها الاستراتيجي مبارك. أو الانحياز إلي الجماهير المصرية، في الميادين، والشوارع، وقررت في نهاية الأمر، بان مبارك أصبح" ورقة محروقة"، وعبئا علي مصالحها. فتخلت عنه، دون أن يكون لها أي فضل علي الثورة المصرية. وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الثنائية بين مصر وأمريكا. خاصة بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وحصول حزب الحرية والعدالة علي الأغلبية. وتولي محمد مرسي الرئاسة. تعتمد علي عدد من الأسس نتوقف عند بعضها : استقلالية القرار المصري في صياغة السياسة الخارجية. فقد خالف مرسي "سنة" الرئيس المخلوع، في "الحج "السنوي إلي واشنطن. ونفذ وعده، بان تكون زيارته الأولي إلي السعودية. بل أن أجندة الزيارات، كانت علي غير هوي الإدارة الأمريكية. فقد ذهب مرسي إلي أثيوبيا، ثم الصين، وإيران. رغم عدم ارتياح واشنطن لذلك. ثم ايطاليا، والاتحاد الأوربي، وحتي زيارته لأمريكا. ستقتصر علي نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. دون الذهاب إلي واشنطن. وأجندة زيارته خلال الأيام المقبلة تضم البرازيل صاحبة واحدة من أهم تجارب التنمية في العالم الثالث. وبيرو للمشاركة في القمة العربية اللاتينية. ومثلت الزيارات رسائل مهمة، في اتجاهات مختلفة. أنهي حديث أوباما، أكاذيب النخبة المصرية الفاسدة. عن وجود صفقة بين الإخوان وحزب الحرية والعدالة من جهة، وبين الإدارة الأمريكية. والاتهامات السخيفة، بأنها ساعدته علي الفوز بالانتخابات. دون أي اعتبار لصندوق الانتخابات. بل روجت لفكرة وجود دعم، من واشنطن للرئيس مرسي، تمكن من خلاله من حسم ازدواجية السلطة. وإنهاء دور المجلس العسكري، مما يمثل اهانة للطرفين معا، الرئيس، والمجلس العسكري. إن مصر لن تكون أبدا، مثل إسرائيل، أو اليابان، أو حتي كوريا الجنوبية. وهي دول محسوبة ضمن التحالف مع واشنطن. كما أنها تختلف، عن إيران أو كوريا الشمالية، والتي تصنف علي أنها في معسكر العداء لأمريكا. وكل المؤشرات تسير في اتجاه، أن هناك سياسة خارجية مصرية جديدة. تعلي من شأن المصالح القومية لمصر.