لأول مرة في عصر الألقاب والأمجاد.. يظهر علينا المنتخب الوطني مثل »الشبح الماسخ«.. بلا ملامح ولا احساس بالمسئولية .. مثل »الظل« الذي يوحي بوجود الأصل لكنه لا يتكلم ولا يشعر.. مثل »خيال المآتة« في حقل أرز يحميه من العصافير.. اتهزم المنتخب من النيجر لأنه كان »خيال مآتة« ظن ان عصافير النيجر سوف تخاف منه فإذا بها »تنقر« في رأسه وتفضحه أمام العالمين. انهزم المنتخب من قبل والتمسنا له كل الأعذار لانه من السخافة ان نعاتب أو نحاسب بطل علي بعض »الزلات«.. فنبادر جميعا بمديد العون له لنساعده علي النهوض.. لكن هذه المرة يصبح من السخافة ان نسكت علي هزيمة سخيفة جعلت من يوم »01« أكتوبر عيدا قوميا في النيجر.. وربما لا تستطيع الكلمات وصف حالة الذهول في الشارع المصري وهو يري لأول مرة فريقه الوطني المحبب لقلبه »يتسكع« في ملعب ستاد الجنرال سيتي أونتشيه بالنيجر، لا يتسكع بغرض النزهة والترفيه بل من فرط اعيائه وهو تائه في الصحراء لم يأكل ولم يشرب ويجر قدميه بالعافية ويرمي بزراعيه يمينا ويسارا وتغوص عيناه في جمجمته ويتبعثر شعره ويتغير لون وجهه فيصبح بلون التراب.. فيبدو بلا ملامح ولا مشاعر فاقد النطق.. انه كالشبح العاجز عن الفعل والعاجز عن رد الفعل.. هكذا كان حال المنتخب وهو يواجه الفقير إلي الله منتخب النيجر.. لا يريد من المباراة سوي أن تنتهي فقط وتنتهي معها معاناته حتي انه في الدقائق الأخيرة استسلم للقضاء والقدر وانتظر صافرة الحكم.. لان وقوع البلاء أرحم من انتظاره.. لو ان المنتخب يلعب امام الكاميرون أو كوت ديفوار لقبلنا وتحملنا كل المبررات.. فالطقس حار واللعب في الغربة قاسي والتجمع قبل المباراة قصير والفرق الكبيرة في الدوري المحلي ضعفت فنقلت العدوي للمنتخب لكن المباراة كانت مع منتخب النيجر« فهل هذا المنتخب له علاقة من أي نوع بتاريخ الكرة الافريقية؟!.. وهل له سابقة بارزة في بطولات افريقيا وهل جرب يوما الصعود فوق أي منصة تتويج في أي مرحلة سنية.. وهل هو مدجج بالمحترفين فتقول ان خريطة الكرة الافريقية متغيرة بشدة وحدة بحيث ان جيل من المحترفين يمكن ان ينقل لعبة في دولة نقلة نوعية خاطفة فيفاجئنا منتخب النيجر بنجوم بارزين.. هل من المعقول ان فريقا لا يملك اية مواصفات يملك القدرة فجأة علي هزيمة بطل افريقيا »7« مرات منها 3 مرات متتالية.. هل من المعقول ان يستحق هذا المنتخب الوهمي ان يهزم منتخبنا المتوج علي العرش الافريقي.. كيف كان أفضل منا وكيف فاز علينا بسهولة؟.. ألم يكن ذلك فضيحة وكارثة وحاجة تكسف!!.. لو لعبنا وضغطنا وحاصرنا المنافس في ملعبه واهدرنا الفرص وكان حظنا سيئا في فرصة مضادة تحولت إلي هدف، لقلنا ان الكرة فيها العجب ويحدث ذلك في كل الدنيا.. مثلما يحدث احيانا مع برشلونة أو منتخب البرازيل أو أي فريق كبير يتفوق علي منافس لكنه يخسر.. لكن لم يحدث لنا ذلك.. لاننا لم نلعب ولم نفعل شيئا.. لم ندافع ولم نهاجم ولم يكن لنا وسط يشد من عودنا ويثبتنا علي اقدامنا في الملعب.. والأخطر من ذلك ان فريقنا لم يكن »عنده دم«.. كان باردا وكأنه فقد الاحساس والشعور والرجولة.. لا حماس ولا نخوة ولا شعور بالمسئولية ولا قتال علي الكرة.. وكأن اللاعبين يخوضون مباراة ودية استعدادا لمباراة مهمة.. يتجنبون الالتحام ويخافون من الاصابة ويدفعون بعض الخبثاء إلي اطلاق اتهامات فوق طاقة التحمل.. فلم يكن لهؤلاء اللاعبين سابقة تعمد، ولم يكن المنتخب بالنسبة لهم عملا اضافيا بجانب عملهم الاساسي في الأندية. أما الجهاز الفني.. فلم يقدم نفسه لنا في هذه المباراة.. ولا نعرف ما إذا كان قد نسي »منهج« التميز الذي طالت دراسته سنوات.. أم انه لم ينس بل اللاعبون هم الذين نسوا أو تعمدوا النسيان.. فحسن شحاتة يقول صراحة ان اللاعبين مسئولون عما حدث لانهم لعبوا بمزاجهم وبلا التزام بالتعليمات والمهام وطريقة اللعب.. وإذا كان ذلك صحيحا، فلماذا فعلوا ذلك هذه المرة بالذات.. لماذا ظهرت عليهم هذه الاعراض فجأة في توقيت حرج للغاية؟... لماذا افتقد الفريق لشخصيته وأصبح احساسه متبلدا؟.. لماذا افتقد الحيوية وأصيب بالشلل الكلي دفاعا وهجوما؟.. لماذا لم يستفد من هيبته وسمعته التي جعلت 03 ألف متفرج يذهبون إلي الملعب للفرجة عليه؟.. لماذا لم يستغل لاعبون كبار جدا مساحات واسعة ومغرية للوصول للمرمي والتهديف بسهولة؟.. لماذا كانت المباراة مفتوحة وشباك النيجر تفتح ذراعيها ولا احد من لاعبينا يأخذها بالاحضان؟.. لماذا لعبنا بثلاثة في قلب الدفاع ثم كيف يأتي الهدف من القلب؟!.. لماذا هزمنا أنفسنا بهذا الشكل الفاضح.. هل لهذا اللغز أسباب لا نعرفها؟..