مهما كان من اهمية القرارات التي يمكن وصفها بالتاريخية بالفعل، واصدرها الرئيس مرسي اخيرا بتفكيك المجلس العسكري والغاء الاعلان الدستوري (المكبل) ، إلا ان هذا لاينسينا انه سبق تلك القرارات مباشرة، مايمكن وصفه أيضا بسلسلة من العدوان علي حرية التعبير ، والعصف بكثير مما أرسته ورسخته الثورة التي دفع آلاف من شبابنا حياتهم ثمنا لانتصارها. واذا كان كاتب هذه السطور أبطل صوته في انتخابات الاعادة ولم ينتخب هذا او ذاك ، الا ان الرئيس مرسي رئيس لكل المصريين وليس رئيسا للإخوان المسلمين وحدهم بالطبع، ومن انتخبوه فعلوا هذا دفاعا عن الثورة وخوفا من ضياعها، وفعلوه بناء علي تعهدات واضحة حاسمة قطعها الرئيس علي نفسه بحماية الحريات، وليس ببعيدة تلك الايام الحاسمة التي فصلت بين اعلان نتائج الجولة الاولي لانتخابات الرئاسة، وبين اجراء انتخابات الاعادة ، ولولا اصوات القوي السياسية الحية الفاعلة من غير المنتمين للاخوان ، لما نجح مرسي. قد تكون السطور السابقة طالت قليلا، الا ان الايام القليلة الماضية شهدت عددا من الوقائع التي تستدعي الي الاذهان ماكان يجري في عهد مبارك من مصادرة واغلاق ومنع وحجب ، ومن بين هذه الوقائع اغلاق قناة الفراعين. رأيي الشخصي المتواضع ان السيد عكاشة وقناته ليسا سوي فصول كوميدية لايمكن اخذها مأخذ الجد مهما شطح وتجاوز لان هناك قانونا يحكم الجميع، أما الدفع بقوات اخوانية محمولة علي عربات الي مدينة الانتاج الاعلامي، والتظاهر امام مقر القناة ومنع الدخول والخروج والتهديد باقتحامها، مثل هذ السلوك لايعدو ان يكون سلوك بلطجية ومسجلي خطر ولايختلفون كثيرا عن بلطجية ابراج نايل سيتي. مدينة الانتاج الاعلامي ليست في باب اللوق ، ولاحتي في بولاق الدكرور، انها في قلب الصحراء كما يعرف الجميع، وبعيدة عن المواصلات العامة والخاصة، وتستلزم ان يتوجه الواحد اليها مخصوصا، والدفع بعشرات قد تصل لمئات قليلة الي مقر مدينة الانتاج الاعلامي يحتاج تنظيما ودعما لوجستيا، لابد ان جماعة الاخوان المسلمين وفَرته من اجل الوصول للمدينة وتقديم هذا المشهد الفاشي المقبض لحصار قناة تليفزيونية، ومهما كانت هذه القناة تافهة ومنفلتة وبلهاء ، ألا ان الحل ليس في اغلاقها تحت تهديد قوات الاخوان، ولابد من حكم قضائي نهائي كما يقضي القانون ، ناهيك عن انه من حق اي مواطن حتي لو كان توفيق عكاشة ان يعبر عن رأيه ، فنحن بعد الثورة.. بعد الثورة .. أليس كذلك ؟ وفي اليوم نفسه يتم الاعتداء علي الزميل خالد صلاح وتحطيم سيارته وسبَه وشتمه ، كما تطارد القوات الاخوانية ذاتها الاعلامي يوسف الحسيني في اليوم نفسه.. أليست هذه بلطجة؟! هل مصير المخالفين للرئيس هو التهديد والاعتداء ؟! وهل من الممكن ان تؤدي هذه البلطجة الي وقف ومنع معارضة الرئيس ؟! وهل سنعود لتقديس شخص الرئيس واعتباره منزها عن النقد، بل والهجوم الضاري لو لزم الامر؟! اليس غريبا ان أوجه مثل هذه الاسئلة بعد الثورة؟! قناة الفراعين وماتقدمه وماتجاوزت فيه ليست موضوعنا ، فهناك قضاء مدني كفيل بردع قانوني للمخطئ، ومايكتبه خالد صلاح أو مايقدمه الحسيني ، هناك قانون يحاسب ويردع ، والاعتداء عليهما من جانب قوات منظمة محض بلطجة . وبعد هذا مباشرة صرح فضيلة المرشد العام السابق مهدي عاكف لطوني خليفة في برنامج زمن الاخوان ان الاعلاميين (والعلمانيين بالمرة) اصحاب اجندات خاصة، واضاف فضيلته انهم يحاولون تشويه ارادة الشعب ، وتعبير (اجندات خاصة)، كما لايخفي علي فطنته ، سيئ السمعة وجري تسويقه وانتشر علي يد الحزب الوطني المنحل ، وسبق اتهام الاخوان المسلمين طوال العهد السابق بانهم اصحاب اجندات خاصة ، والمفارقة هنا ليست فقط في استخدام التعبير نفسه الذي صكه الحزب الوطني، بل ايضا في ان من يستخدمه مسئول وقيادي كبير في الجماعة . وبعد هذا وذاك صودرت جريدة الدستور في المطبعة، وأظنها المرة الاولي التي تقدم فيها قوات الامن علي مداهمة مطبعة ومصادرة مطبوعاتها منذ اندلاع الثورة ، وطالما عانت الجماعة من المصادرة والحجب والمنع ، فلماذا لانطبق القانون، بل ولماذا لانلغي الحبس في قضايا النشر ونكتفي بالتعويض الرادع؟! قلت في بداية سطوري ان الرئيس تعهد بحماية حرية التعبير عن الرأي ،وهو في الحقيقة أمر يخص الرئيس بالقدر نفسه الذي يخص القوي السياسية الحية والفاعلة من ابناء الوطن ، واود ان اذكرَ الجميع ان هناك قمقما خرج بعد الثورة وليست هناك قوة يمكن ان تعيده ، وهذا القمقم تحديدا هو من قضي بنجاح مرسي ، وهو في الوقت نفسه من سيخوض المعركة دفاعا عن حرية الرأي والتعبير وضد المصادرة والحجب والمنع والاغلاق. واخيرا، اذا كان الرئيس مطالبا بالوفاء بتعهداته بشأن حماية حرية التعبير قبل القرارات الاخيرة بتفكيك المجلس العسكري والغاء الاعلان الدستوري المكبل، فإنه الآن مطالب بالتحرك سريعا للوفاء بتلك التعهدات لأنه يملك السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ايضا رئيس لكل المصريين وليس للاخوان فقط .