د. محمد ناجى شتلة "الاخلاص سر من اسراري اودعته قلب من احب من عبادي"، هكذا يقول العلي القدير عز وجل في حديثه القدسي الشريف.. والدكتور كمال الجنزوري منذ اول يوم التقيته، حيث تزاملنا كوزراء في حكومة د. فؤاد محيي الدين في فبراير 1983، ثم حكومة الفريق كمال حسن علي، وانتهاء في حكومة د.علي لطفي.. وقد التقينا في حب الله والوطن، ومنذ اللقاء الأول، وعلاقتنا لم تنقطع الي يومنا هذا، رغم اني تركت الوزارة في نوفمبر 1986. الحقيقة انني وجدت من واجبي التوجه بالشكر لله عز وجل، علي ما من به علي من صحة وعمر حتي اري منح الله لعباده المخلصين، والذي تمثل في تكريم الاخ والصديق د. كمال الجنزوري، فالرجل يملك تاريخا مشرفا في خدمة هذا الوطن، منذ أن بدأ عمله محافظا للوادي الجديد، ثم محافظا لبني سويف عام 1987، ثم وزيرا للتخطيط في وزارات متعددة، ثم نائبا لرئيس الوزراء، ثم رئيسا للوزراء 1996 الي 2000، قدم خلالها لمصر الجهد الوفير بإرساء المنهج العلمي في التخطيط والتعاون الدولي، وشهدت فترة رئاسته للوزارة الكثير من الانجازات التي تمثلت في تأصيل قواعد العدل الاجتماعي، وزيادة اجور العاملين بالدولة، والقضاء علي ظاهرة الرسوب الوظيفي المقيتة، فانتصر للطبقات المستضعفة في مصر، وكان ناصرا للحق ومدافعا عن حقوق الفقراء، وزادها خيرا عندما كان مخططا للمشروعات العملاقة، كشرق التفريعة، وترعة السلام التي أضافت للمساحة المزروعة في مصر اكثر من 500 الف فدان بسيناء وتوشكي، وكذلك المنطقة الصناعية بخليج السويس وغيرها من الانجازات التي اثارت الكثير من الاحقاد علي شخصه لعلو شأنه في قلوب المصريين، فكادوا له كيدا ولاسباب مجهولة تم اقصاؤه! ودون ادني تكريم او كلمة شكر او تقدير.. تواري الرجل في الظل لاكثر من عشر سنوات مؤتنسا بربه والقلة المخلصة من الاصدقاء ممن زاملوه في حكومات متعددة، فكانت لقاءاته شبه منتظمة يدرس ويتدارس هموم الشعب وامور الدولة، في صمت بعيدا عن الاضواء، التي لا تبهره، بقدر حرصه علي الإنجاز لمعشوقته مصر. وشاء رب العالمين ان ينتفض ويثور ابناء مصر الشرفاء من شبابها الطاهر لكرامة وعزة الامة المهدرة، والظلم والفساد الذي حاق باهلها، لتكون ثورة الشعب في 25 يناير، وبحماية ورعاية من ابناء القوات المسلحة متمثلة في مجلسها الاعلي العسكري يتم الاطاحة برأس النظام واركانه ويسقط النظام، ويعود الامل لشعب مصر في حياة حرة كريمة، وبمرور الايام والشهور في ظل الانفلات الامني، والازمات الحياتية اليومية، والمظاهرات والاضرابات الفئوية والعنف، وسقوط الشهداء في شارع مجلس الوزراء، وكانت النتيجة سقوط الحكومة القائمة.. ويشاء الله ان ينصر عباده المخلصين، ويكلف د. الجنزوري برئاسة وتشكيل حكومة الانقاذ في نوفمبر 2011، حيث الظروف الإستثنائية التي تكالبت فيها قوي عديدة بالخارج والداخل لإسقاط الدولة المصرية، فالامن خارج السيطرة تماما، والفوضي تعم البلاد، والاقتصاد المصري علي حافة الانهيار، وقبل الرجل المهمة الانتحارية مستعينا بالعزيز القدير، ولم لا؟.. وأنا أحسبه من اولي العزم من المؤمنين، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ففي خلال الثلاثة اشهر الاولي التي لم يتمكن فيها من دخول مكتبه، حقق المستحيل بإجراء انزه انتخابات برلمانية لمجلسي الشعب والشوري، والتي لم تشهدها مصر او منطقة الشرق الاوسط لاكثر من 60 عاما، شارك فيها اكثر من 40 مليون ناخب، ولم تسجل خلالها حادثة عنف واحدة، واوقف التدهور والنزيف المالي للاحتياطي النقدي، وقلص الانفاق الحكومي بما يزيد عن ال20 مليار دولار، ليتنفس الشعب الصعداء، ويعم احساسه بالامن وتتقلص الازمات الحياتية اليومية، تموينية كانت او غيرها، وتم البدء في مباحثات مع صندوق النقد الدولي المتعثرة لانتشال الاقتصاد المصري من عثرته، ولاول مرة يتوقف نزيف الاحتياطي الدولاري لمصر بالبنك المركزي. وعلي الرغم من المطبات والمعوقات التي وضعت في طريق هذه الحكومة لاسقاطها، وسحب الثقة منها، الا ان الرجل لم يأبه، وواجهه قدره وقدر امته بالعزم والقوة التي منحها الله اياه وشعب مصر، وتمكن بدعم رجال حكومته في الاشهر الثلاثة الاخيرة ان يجري اول انتخابات رئاسية حقيقية، نالت احترام وتقدير العالم كله، رغم حملات التشكيك التي سبقتها ممن ارادوا ايقاف عجلة التاريخ، فقدم للعالم الوجه الحقيقي لشعب مصر، ولتشهد مصر مولد الجمهورية الثانية برعاية وقيادة شرفاء مصر وجيشها الابي.. ليكون لمصر رئيس منتخب مسئول امام الله عن رعاية المصريين وارساء دعائم دولتهم.. وحان الوقت ليقدم د. الجنزوري استقالته ليسلم راية المسئولية خفاقة عالية بما من الله عليه من توفيق في انقاذ مصر من الهلاك والضياع ووضع امنها واقتصادها ومؤسساتها الدستورية علي الطريق الصحيح.. ولكن الرئيس المحترم د. محمد مرسي لم يفوته كعادته العرفان بفضل د. الجنزوري، فما كان إلا أن قلده قلادة الجمهورية، إضافة لتعيينه مستشارا لرئيس الجمهوربة ليستمر عطاؤه المخلص ضمن الفريق الرئاسي المعاون، وهو ما يؤكد ان رئيس مصر حريص علي لم شمل الامة والسعي لرجالاتها المخلصين، وهم كثر في مصر.. هنيئا للدكتور الجنزوري، وأقول له ان الله لاينسي عباده المخلصين.