رحل حلمي سالم، أكثر المتفائلين والمتسامحين والمغامرين في الحركة الشعرية.. رحيله خسارة فادحة، خسارة شعرية كأحد الشعراء الهامين في الحركة الشعرية المصرية والعربية، وخسارة إنسانية بالغة، هو الإنسان الذي يفيض رقة، وعذوبة، ومحبة، وتسامح، وقدرة علي أستيعاب الآخر الي آخر الشوط.. كان النقاش طويلا بيننا، حول مفهومه للتسامح، والذي ربطه بالحداثة في كتابه ( الحداثة أخت التسامح )، كثيرا ما عارضت تسامحه الشديد، وصراعاته منزوعة الأظافر، حين يتساوي الصواب والخطأ، وتتبدد المعايير، في حالة من التسامح، تتسع لتشمل المعارضين والخصوم، وتثير الاستفزاز، وكانت رؤيته أن احترام الآخر معيار، وعدم احتكار الحقيقة معيار، وأن الصراع والموقف الواضح لا يعني العنف في اللغة، ولا العنف في السلوك، وأن ما يدفع الآخرين الي رؤيته مبالغا في تسامحه، هو أنه منصف، لا يغض الطرف عن الطيبات في الخصوم، يقول السييء ويقول الطيب، ويراعي أصول الصراع ، وتقاليد الحروب، والمعارك.. حلمي سالم يشبه قصيدته تماما ، مغا مر وحداثي، هو أكثر شعراء جيلة تجريبا ، و مغامرة علي مستوي الشكل، والفكرة، واللغة، والرؤية، ينتقل من جملة جمالية الي جملة جمالية آخري، لم يحب أن يبقي في مكان شعري واحد لأمد طويل، فكان دائم الحركة والتنقل والتجريب، ومن الموقف السياسي الساطع الي الموقف الجمالي الساطع،كان مشواره الشعري، علي امتداد أكثر من ثلاثين عاما، وأكثر من عشرين ديوانا شعريا.