حلمي سالم يتعرض لأزمة صحية عنيفة.. خبر موجع وأليم.. مرة لأنه شاعر،لا ينبغي أن يُصيبه الوهن،و»الحياة هي مايؤسسه الشعراء« بحسب هولدرين ،وحسبنا، ومرة أخري لأنه مريض في دولة يصبح فيها المريض بائساً وتعيساً، لا يشغله المرض بقدر ما يشغله تدبير العلاج.. الشاعر مريض. سبب كاف لإعلان حالة الطوارئ، وإعلان حالة الخطر، سبب كاف لأن تنقلب وزارة الثقافة رأساً علي عقب، وتتحرك رئاسة الوزراء، ويتحرك رئيس الدولة أيضاً، لولا أننا دولة بلا رئيس، بلا صلاحيات، وبلا قدرة علي الحركة. حلمي سالم ليس مجرد شاعر »وهو كثير«، لكنه الشاعر في الحياة، أدواره فاعلة وحيوية، يحتشد باللغة والواقع والأسطورة، يمزج المتناقضات في جُملة شعرية واحدة، مؤمناً بأن الحياة كلها صالحة لكتابة الشعر... حلمي سالم يُشبه سعدي يوسف، دائماً في حالة كتابة، يكتب كل يوم قصيدة، يكتب مائة قصيدة، من أجل الوصول إلي قصيدة واحدة جيدة، وهو أيضاً يُشبه سعدي في إصراره علي نشر القصائد كلها، الرديء منها قبل الجيد.. هي تجاربه وتمارينه اليومية للوصول إلي قصيدة يتمنّاها. يري البعض أن حلمي سالم يكتب مقالات في دواوينه، وليس شعراً، يقصدون قصائد النثر تحديداً، والتي يُمكن أن ننزع عنها صفة القصيدة.. يستخدم لغة الصحافة والمفردات السياسية العامة، يكتب الحياة اليومية بمفرداتها وتفاصيلها الصغيرة .. تلك حقيقة، فهو ابن الحياة منذ أن كان صغيراً، تستهويه مراكب الصيادين، ويتعلم من خاله كيف يرمي الشبك في البحر، وينزل وراءه عارياً. حلمي سالم أكثر شعراء جيله، رغبة في المغامرة والتجريب وكسر السائد، والانتقال من مكان إلي آخر، ومن جملة جمالية الي أخري، هذا إرث الصيادين، وإرث أبيه أيضاً، أول المغامرين.. يستأجر حدائق البرتقال من ملاكها، وهي لا تزال زهراً، ويغامر برزقه.. خشي حلمي دائماً من تكلّس القصيد أو تكلّس الحياة فما يكاد أن يصل إلي جملة جمالية، حتي يغادرها إلي أخري. حلمي مسكون دائماً بالواقع حوله، وتفاصيل الحياة العادية، وهو ما منح اللغة الشعرية عنده تلك البساطة، والسهولة، والقدرة علي الاشتباك، والتواصل، والاغتراب الشديد. 20 ديواناً شعرياً، و11 كتاباً فكرياً طوال ثلاثين عاماً.. مشروع يتّسم بالتنوع والتقليب الدائم، يتّسم بالحميمية والقدرة علي صياغة الحياة.