صباح يوم 5 أكتوبر 1981 كنت في لقاء مع الرئيس أنور السادات في منزله بالجيزة لإجراء حوار معه بمناسبة حلول ذكري الانتصار العظيم الذي حققه الجيش المصري ضد إسرائيل 6 أكتوبر1973 ومطاردة فلول قواتها من كل سيناء التي تم تحريرها بعد احتلال طويل. رغم مرور سنوات عديدة علي نصر أكتوبر، إلاّ أن الرئيس الراحل كان يتحدث عنه عشية ذكراه في عام 81 بنفس الحماس الذي عودنا عليه في كل مناسبة يتطرق فيها للحديث عن النصر التاريخي الذي حققه "أبناؤه" جنود وضباط قواتنا المسلحة. ليس هذا فقط بل كان حريصاً في كل مرة بحاسته الصحفية الشهيرة علي أن يضيف جديداً عن المعركة وعن بطولات "أولاده" الضباط والجنود، حتي لا يكرر ما سبق وقاله عنهما.. في المرات السابقة. في آخر لقاء لي مع السادات قبل مصرعه في صباح اليوم التالي أثناء وقوفه شامخاً بزيه العسكري، ومتابعاً بكل حواسه فقرات الاستعراض العسكري المهيب أمامه سألته عن آخر تطورات "المؤامرة" التي كُشف آنذاك عنها وتستهدف اغتيال بطل الحرب والسلام، وتم القبض علي بعض أفرادها من تنظيم "الجهاد" والبحث جار عن غيرهم هاربين ومنهم ضابط جيش! فأجاب الرئيس السادات بأن المؤامرة انتهت، وسيتم القبض علي الهاربين خلال ساعات (..). وعندما سألته عن قلق البعض من استمرار هروب ضابط الجيش وربطه بالعرض العسكري غداً، ضحك السادات قائلاً: "ده كلام النبوي إسماعيل اللي طلب مني عدم السفر بالقطار منذ أيام، وفوجيء بالجماهير تستقبلني بالترحيب والتصفيق علي طول الطريق وقمت بتحيتهم من شباك القطار! والنهاردة طلب مني ارتداء القميص المضاد للرصاص في العرض العسكري، وأنا رديت عليه قائلاً: قميص إيه ورصاص إيه.. يانبوي؟! إنت ناسي أني رايح أزور أولادي وأشاركهم الاحتفال بعيد النصر.؟! فيه أمان يانبوي أكتر من وجودك بين أولادك أبطال أكتوبر؟! تذكرت الآن ما قاله الرئيس الراحل أنور السادات في آخر لقاء لي معه قبل ساعات قليلة من مصرعه برصاصات الضابط خالد الاسلامبولي الذي كان يستقل سيارة عسكرية تشارك في الاستعراض العسكري وفجأة نزل منها حاملاً مدفعه الرشاش، متجهاً إلي المنصة التي يقف عندها بطل الحرب والسلام محيياً طابور المدرعات والعربات العسكرية. الجميع فوجئوا بتصرف هذا الضابط. البعض تصوره ضمن برنامج فقرات الاستعراض العسكري وانتظر ما سيقوم به هذا الرجل! أما الرئيس السادات فقد عرف بسرعة ما ينتويه هذا المسلح بالرشاش. لم يخف بطل الحرب والسلام مما تنبأ به ويتوقعه. لم يسارع بمغادرة المنصة، أو حتي يجلس علي مقعده. المذهل أنه ظل واقفاً بنفس شموخه، وشجاعته، وتقبل قدره، وبادر بإصدار أمره، بصفته الرئيس الأعلي للقوات المسلحة، للمسلح المتطرف الديني الذي لم تكتشف المخابرات العسكرية آنذاك هويته وميوله وانشقاقه آمراً: قف مكانك وهو الأمر الذي لم يعره الاسلامبولي انصياعاً، وإنما منحه الفرصة التي لم يكن يتوقعها الشلل الذي أصاب المكلفين بحماية رئيس الجمهورية والرئيس الأعلي للقوات المسلحة وسارع بإفراغ شحنة رشاشه في صدر الرئيس السادات، واستمر في إطلاقها عليه بعد سقوطه لضمان التأكد من تحقيق المهمة الإجرامية التي كلف بها،أملاً في إدراج اسمه في ذيل قائمة أبشع القتلة في تاريخ البشرية. .. وللحديث بقية.