د. محمد السعدنى كانت يوليو ولاتزال ثورة استعصت علي التدجين والكذب والاغتيال، ماحولها إلي شوكة موجعة في حلوق أعداء الوطن والموالسين معهم من أبناءه الحمقي المتربصين بثاراتهم للنيل من الثورة وجمال عبدالناصر، وهذا ماحاوله الأمريكان طويلاً إلي أن وجدوا ضالتهم في فريق لامانع لديه من اغتيال الوطن كله للوصول إلي السلطة وتحقيق مشروعه الأممي التوسعي. كانت عادتنا كل رمضان أن نهجر السياسة إلي فسحة نشطة في عالم التراث والمأثورات وأمهات الكتب، وكان الظن أن نستمر هذا العام في تقليدنا المتبع، إلا أننا ولدواع كثيرة ما استطعنا هذا الترف ولاقدرنا علي تبعاته، فقد حاصرتنا السياسة بضيق أفق معظم لاعبيها ونجومها من "الحباكين والبلاكمة الجدد" وألاعيب شياطين الإنس وترهاتهم وكذا ماتأبطه البعض من شر وادعاء ومحاولات وقيعة مغرضة مابين ثورة يوليو المجهضة بانقلاب جمهورية السادات- مبارك علي سياساتها وثوابتها وأهدافها، وثورة يناير المجهدة بسوء مآلات أهدافها ومساراتها. كيف يمكننا تجاوز مايحدث علي الأرض حولنا إلي ماعداه في تاريخنا وتراثنا وقد أضحي واقعنا مثقلاً بهموم وألغاز مالها من كاشف إلا الله ومن اصطفاهم من أولي العزم والمخلصين؟ كيف يمكننا المرور علي تواكب موت عمر سليمان مع وفاة رئيس المخابرات السورية ووزير دفاعه وكذا رئيس المخابرات التركية مع الأمر الملكي السعودي الغير مسبوق والغير معهود بإقالة الأمير مكرم بن عبدالعزيز رئيس المخابرات السعودية من منصبه، ألا يثير هذا لدينا الشكوك والتساؤلات؟ ونحن نتابع المخططات الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية لإعادة ترسيم خرائط المنطقة وتطويق الربيع العربي وتسميم نواتجه وأجواءه ناهيك عن التلاعب ببوصلة السير وطرائق الحركة في بلداننا العربية وثوراته التليدة التي انقض عليها جراد السي آي إيه والموساد وعملاؤهم القدامي والجدد فراحوا يثيرون الفوضي ويخلطون الأوراق ويعبثون بالتاريخ، حتي وصل الأمر بأحدهم أن ادعي أن عبدالناصر سرق ثورة يوليو من الشعب في أعقاب أحداث مارس 1954 . ولقد تعودنا علي مثل هذه الترهات والأكاذيب التي تمتهن التاريخ وتزيف وعي الناس، مشكلة عبدالناصر هو أنه رجل استعصي علي التدجين وكان قادرا علي شجاعة المواجهة، علي خلاف نخبتنا السياسية التي تعيش في جلباب السلطة القصير وبين ثنايا لحاها وعكس إعلامنا الذي تلاعبت بأساسه أصابع البترودولار والمصالح الدولية عابرة الأوطان والقارات. التعتيم علي وفاة عمر سليمان وسفر احمد شفيق وبقاؤه خارج البلاد فترة ليست قصيرة وتواتر سرعة الاحداث في محيطنا العربي والداخلي يؤشران إلي أن وراء الأكمة ماوراءها، فلربما المطلوب ليس تغيير الخرائط الجبوسياسية فحسب وإنما أيضاً العبث بالتركيبة الديموجرافية للنخب السياسية والشخصيات العامة التي اسهمت في التأسيس والتمكين للخرائط المراد تغييرها علي عجل لتستوعب صراع السنة والشيعة لتطويق إيران، وحجب التواصل مع الشيوعية الصينية بعد تطويق وتفكيك الاتحاد السوفيتي وذلك ترسيخا للتفوق الأمريكي في المنطقة والعالم وقطع الطريق علي النمو الصيني وتمدده، وكذا التمكين لليمين الرجعي التحكمي وراسماليته المتوحشة ضد صيحات الربيع العربي" عيش، حرية، عدالة إجتماعية، كرامة إنسانية" لأنها مفردات يسارية اشتراكية ينبغي أن تضل طريقها للجماهير حتي لاتعيد إحياء القيم الاشتراكية في مواجهة التغول اليميني الذي حول العالم سوقاً كبيرا تابعا لاستهلاك منتجات حداثته وتحكمه وسيادة أفكاره وابداعاته، والتي لاتسمح أبداً إلا بالهجرة إلي الشمال، وربما في مواسم الهجرة يطلقون علينا ذئابهم ينهشون التاريخ ويتلمظون لعقر المستقبل ويقطعون علي أجيالنا طريق التواصل والتكامل بين ثورة أم قادت مسيرتنا للتحرر والسيادة والنهضة وثورة تليدة جاءت لا لتصصح مسارات يوليو وإنما جاءت ضد من انقلبوا عليها وحاولوا اجهاضها وتحجيمها ونجحوا في ذلك إلي حد كبير طوال أربعين عاماً منذ انقلاب ثورة مايو المضادة علي ثوابت يوليو التاريخية ومكاسب جماهيرها المسروقة أحلامهم والمجهضة تطلعاتهم. إن الذين سرقوا يوليو وانقلبوا عليها كانوا طليعة اليمين الرجعي والرأسمالية المتوحشة وتزاوج الثروة والسلطة وعصابات الفساد المتسلح بالتشريع، وهم لايختلفون كثيرا عمن سرقوا ثورة يناير وحادوا بالطريق وأخروا مسيرتها وجاءوا اليوم يزيفون علينا مغالطاتهم ليصطنعوا قطيعة تاريخية وسياسية مابين يوليو ويناير، وهم يتسلحون أيضاً بالمغالطات والادعاءات والأكاذيب وأيضاً التشريع، وتلاقت مصالحهم مع أعداء يوليو التقليديين الذين استمرت محاولاتهم طيلة ستين عاماً تتجدد أباطيلهم كل عام في مواسم الهجوم علي الثورة وأفكارها والستينيات التي سخر منها وعرض بها الرئيس محمد مرسي، وله العذر فهو ابن مشروع سياسي ضيق الأفق يحاول اقتحام العالم من ثقب إبرة، متسلحاً بمصالح أمريكية جديدة جمعته بالأمريكان ونتمني ألا يصبح سيادته وأعوانه كنزاً استراتيجياً جديداً لإسرائيل إمتداداً لجمهورية مبارك. وإلي كل الوطنيين المنزعجين مما يحدث أطمئنكم أن الثورات لاتموت وأنها لاتدجن ولايملك أحد أن يطفئ وهج الشمس، وأعتذر لك ياشيخ المحامين رأفت نوار الذي أزعجك ماتقول به أحدهم في حق يوليو فأنا لن أعطيه شرف الرد عليه، ولست بحاجة لتأصيل العري وتأكيد الروابط بين يوليو ويناير فقد كنت أنت وكنت أنا معك في مقدمة ثورة يناير نبشر بها ونعمل لها بينما نخاع عظامنا تعشش فيه يوليو وتجاربها وتحدياتها، كنا من الشجاعة بالمجاهرة بأخطائها والمطالبة بالمراجعة والتصحيح من خندق الدفاع عن مصالح الوطن ومستقبل أجياله، ولقد دفعنا الثمن ولانزال، ألايكفيك هذا لتطمئن أنها ثورة مستمرة، ثورة حتي النصر، ومهما كانت مواسم الهجرة إلي الشمال، شمال اليمين الرجعي الراسمالي المتوحش، وربما هو نفسه قد تغير عن شمال "الطيب صالح" في روايته الرائعة" موسم الهجرة إلي الشمال". الثورة مستمرة.