د. على السمان علاقة مصر علي مدي التاريخ مع الولاياتالمتحدة كان فيها دائماً تقلبات مثل حركة الترمومتر بين الصعود والهبوط، وفي رأيي أن المصريون يحبون أمريكا كأسلوب حياة من خلال الأفلام السينمائية التي يشاهدونها، وكذلك بساطة وروح المرح لدي المواطن الأمريكي. وأعتقد أنه قد جاء الوقت الذي نهتم فيه بالثقافة التاريخية للجيل الصاعد للشباب ليتفادوا تبسيط الأمور أو تعقيدها أو تعميم الحكم فيها ظلماً. أولاً: أمريكا والرئيس جمال عبد الناصر علي شباب هذا الجيل أن يعلم أن ممثل الولاياتالمتحدةالأمريكية في مصر يوم اندلاع الثورة في 23 يوليو 1952 كان سفيراً عالي المستوي هو جيفرسون كافري.. وكان لصيق الصلة بالرئيس جمال عبد الناصر رئيس مجموعة الضباط الأحرار الذين أعدوا لثورة 52. ويحتمل أن التأييد الأمريكي جاء بعد حريق القاهرة في 26 يناير 1952 الذي كان يعبر عن الغضب الشعبي تمهيداً لثورة شعبية من الشارع هو ما يقلق أمريكا، وبالتالي كان مجيء جمال عبد الناصر والضباط الأحرار بمثابة ضمانة استقرار تمنع الثورات الشعبية التي سيستفيد منها اليسار المصري. واصطدم عبد الناصر وقتها بالتيار اليساري، واعتقل كثيرا من الشخصيات اليسارية. ولم يمر عامين حتي اكتشف وزير الخارجية الأمريكي فوستر دالاس أن العلاقة المتميزة مع جمال عبد الناصر لا تعني إطلاقاً أنه أصبح رجلهم في المنطقة أو أنه سيكون أحد زعماء حلف "بغداد" الذي خلقته الولاياتالمتحدةالأمريكية من العراق وتركيا وباكستان وغيرها ليكون أداة في يدها يساعدها في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي. وكان رد جمال عبد الناصر علي الدعوة الأمريكية لدخول حلف بغداد أنه اختار سياسة واستراتيجية "الحياد" الذي يرفض الانضمام إلي الكتلة الغربية بزعامة أمريكا أو إلي الكتلة الشرقية بزعامة روسيا. وكان زعماء مجموعة "الحياد" في 55 هم أساساً من الهند بزعامة الرئيس نهرو ويوغوسلافيا بزعامة تيتو الذي تمرد علي السيطرة الروسية أو ما كان يسمي آنذاك بالاتحاد السوفيتي. وكان غضب وزير الخارجية الأمريكي فوستر دالاس أمام إصرار جمال عبد الناصر علي استقلال القرار المصري وتمسكه بمبدأ "الحياد" أمام الصراع بين الكتلتين الغربيةوالشرقية. بل أن كلماته التي عبر بها عن غضبه أصبحت جزءاً من سجل العلاقات الأمريكية المصرية حيث قال أن الحياد - الذي يطالب به عبد الناصر - هو مبدأ واختيار غير أخلاقي لأنه يرفض الخيار بين الخير والشر...!!! والخير في رأيه بطبيعة الحال هو بجانب أمريكا وحلف الأطلنطي. وشاءت الصدف أن يكون رئيس المخابرات الأمريكية وقتها هو آلان دالاس وبالتالي أصبح الهجوم علي جمال عبد الناصر يأتي في آن واحد من الخارجية ومن المخابرات الأمريكية. وكان عقاب أمريكا لمصر وقيادتها وقتها هي وقف المعونات الأمريكية ومنع تصدير القمح، وكذلك منع البنك الدولي من تمويل بناء السد العالي. كان هذا هو الجو السياسي في بدايات الثورة المصرية أضعها أمام شباب مصر كصفحة من تاريخ مصر تجب معرفتها. ولكن حينما نكتب تاريخ العلاقات الأمريكية المصري لا يجب أن ننسي صفحة ناصعة البياض وهي موقف الرئيس الأمريكي الجنرال أيزنهاور وهو أحد أبطال الحرب العالمية الأولي حينما أصر علي جلاء قوات العدوان الثلاثي ضد مصر في 1956 البريطانية الفرنسية والإسرائيلية. ثانياً: أمريكا وتحالفها مع إسرائيل في حرب يونيو 67 عند قيام حرب يونيو 67 وقت النكسة تبين أن الجانب الأمريكي أيد إسرائيل في عدوانها، وفسر لي الموقف الأمريكي المعادي لمصر رئيس المخابرات الأمريكية أدميرال تيرنر -الذي جلس بجانبي في عشاء في مبني البنتاجون علي شرف المشير عبد الغني الجمسي وزير الدفاع في عهد الرئيس السادات الذي عملت معه مستشارا للإعلام الخارجي أثناء معركة حرب أكتوبر 73- أن الرئيس جمال عبد الناصر بذهابه بقواته إلي اليمن ونجاحه بنقل قواته وبناء الطرق والمطارات قد مارس دور الدولة الكبري. وهذا ممنوع علي دولة مثل مصر (كتاب أوراق عمري من الملك إلي عبد الناصر والسادات صفحة 324) الخلاصة... حينما تأتي أمريكا اليوم لتتدخل في الشأن الداخلي المصري بتفضيل مرشح جماعة الإخوان المسلمين وبموقف معادي للمجلس العسكري والمشير حسين طنطاوي فكأنها تعيد لذاكرة التاريخ حلقات خلافاتها وصدامها مع الزعيم جمال عبد الناصر في الخمسينات.