بدون شك .. يلعب المكان دورا كبيرا في رؤية العرض حتي المقعد الذي تجلس عليه يؤثر في نوعية المشاهدة .. هذه حقيقة لا تقبل المناقشة والاهتمام بمكان دور العرض أمر مهم لجذب الجمهور وما دمت تسوق لسلعتك فعليك الاهتمام بالمنتج ! ولم يكن غريبا عندي أن يهتم د. أشرف زكي رئيس قطاع الانتاج الثقافي والمشرف علي البيت الفني للمسرح بتزيين المكان وأعني واجهات دور العرض المسرحي وصولا الي دورات المياه التي يستخدمها الجمهور .. فهو رجل يؤمن بأهمية تسويق منتجه المسرحي وهذا يعني الاهتمام بالموظف الذي يستقبل الجمهور أولا ثم الموظف الذي يصاحبك لمقعدك ثم ما يقدمه المسرح من منتج فني .. هذه مسئولية كبيرة وأعتقد انه نجح فيها الي حد كبير .. لا أجامله في هذا فقد نجح في تحديث مسرح الحديقة الدولية بمدينة نصر ليصبح تحفة فنية رائعة وقبله مسرح الطليعة والمسرح العائم ومسرح الليسيه بالاسكندرية والآن مسرح بيرم التونسي علي كورنيش الاسكندرية أيضا .. لقد أعاد ترتيب وبناء البنية التحتية للمسارح في زمن قصير وهو لا ييأس أو يكل بل يلح في هذا الخصوص حتي أصبح لدينا بنايات مسارح محترمة بدون مبالغة لا توجد في أي بلد عربي وأقول علي الاطلاق لأن مصر كانت وستظل عاصمة الفكر والثقافة والفن في العالم العربي وهذه ميزة لا ينافسنا فيها أحد . . لقد لفت نظري ذلك الاهتمام الذي يوليه المخرج هشام عطوة مدير مسرح الطليعة للمكان الذي تشعر فيه بالاحترام منذ أول لحظة لقدومك ومعه بالطبع المخرج هاني عبد المعتمد مدير دار العرض فالمكان يستحق بالفعل أن تكون هناك صيانة دائمة له ليظل متوهجا مشرقا ليجذب الجمهور .. نفس المشهد رأيته في المسرح العائم وشاهدت نفس الاهتمام لدي الفنان محمد محمود مدير المسرح الكوميدي ومدير دار العرض المهندس عادل يوسف الذي استفاد من خامات الديكور القديمة فصنع منها أسوارا بالحديقة زادت من بهاء وجمال المكان وأصبحت حديقة العائم مثالا للروعة .. وفي ليسيه الاسكندرية النظافة هي العنوان الرئيسي للمسرح بفضل حرص مديره الفنان حسين مليس ومجموعة العاملين معه .. والمشهد الجمالي نراه أيضا في مسرح العرائس لاهتمام مديره المخرج محمد نور ومدير دار العرض محمد شوقي وليت عدوي النظافة والاهتمام تنتقل الي جميع دور العرض المسرحية فالفن ليس معناه التركيز علي العرض المسرحي فقط بل يتعداه الي المكان فالتعليمات مشددة وعلي جميع الموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور ارتداء اليونيفورم الموحد وهذا ما يحدث فعلا في جميع المسارح وليس عيبا أن يبدأ المسئول عمله اليومي بالتفتيش علي دورات المياه فهذا هو الطبيعي لأن عنوان المكان يبدأ من هناك. قدم المخرج أميل جرجس للمكتبة المسرحية كتابا بعنوان ( المسرح في الأقاليم .. تجربة وطموح ) وهو نتاج خبرة سنوات طويلة قضاها في هذا المسرح .. أضاء فيها علي تجارب مسرحية رائدة لكثير من المخرجين والمؤلفين الذين عملوا في مسرح الثقافة الجماهيرية .. الكتاب بحق رحلة ممتعة من سنوات الخمسينات وحتي عام 1970 ونتمني أن يكمل ما بدأه في السنوات التي تلت ذلك وحتي الان وهي فترة خصبة للغاية مع انتشار المسرح في كل أقاليم مصر .. لقد انطلق المؤلف من تقرير للمجالس القومية المتخصصة في سبتمبر عام 1984 حذر من غيبة التوثيق العلمي لحركة مسرح الأقاليم مما يجعل حركته منفصلة عن الأمس ولا تشكل خطوة نحو الغد . ونحن ننتظر من أميل جرجس الاجزاء الثاني والثالث والرابع كما وعدنا ونحييه علي هذا التوثيق العلمي كشاهد عيان علي تطور مسرح الأقاليم .