مقال روبرت فىسك عن مصر فى صحيفة »إندبندنت « البريطانية - تقرير صحيفة »لوس أنجلوس تايمز« الأمريكية استمرت صدمة العالم إزاء ما يجري في مصر .. تبارت كبريات الصحف العالمية في نقل صورة حية بالكلمة والصورة للإعصار السياسي الذي يضرب البلاد ، ويهدد بنقلها إلي مواجهات جديدة لا قبل لأحد بها .. تركزت تغطية الصحف أمس علي أمور ثلاثة : تأخر الإعلان الرسمي عن اسم الرئيس الفائز .. اشتعال الميادين .. والتقارير المتضاربة حول صحة الرئيس المخلوع .. وكان لكبار الكتاب والمحللين السياسيين حضورهم اللافت للنظر ، حيث أدلي كل منهم بدلوه ، محاولا تقديم تفسير لما يجري علي الأرض ، وتفنيد مواقف اللاعبين الرئيسيين علي الساحة السياسية المصرية المشتعلة . وفي محاولة لتحليل ما يجري الآن في مصر ، توقفت صحيفة " لوس أنجلوس " الأمريكية عند موجة الاحتجاجات التي تجتاح الآن الشارع المصري ، وهو يستعد لمعرفة رئيسه الجديد ، في ظروف هي الأسوأ التي يمكن أن تشهدها انتخابات رئاسية . وقالت الصحيفة في تقرير لها هذه الاحتجاجات التي تجمع لأول مرة منذ ثورة يناير جميع القوي والحركات الثورية والأحزاب السياسية للضغط علي المجلس العسكري ، كي يسلم السلطة للمدنيين ، ويختفي من المشهد السياسي ، تعطي طاقة هائلة ومتجددة للقوي المطالبة بتغيير حقيقي في مصر . واعتبرت الصحيفة هذه الاحتجاجات ، التي تجسد حالة السخط والغضب التي تجتاح الشارع بسبب قرارات المجلس الأخيرة ، عملية إحياء من جديد للثورة ، أو مقدمة لثورة جديدة أكبر . وقالت الصحيفة إن تصاعد حدة الموقف في مصر تأتي بسبب الشكوك حول حسن نوايا المجلس العسكري ، واتهامه بمحاصرة الرئيس المفترض إعلان اسمه خلال ساعات ، وتحجيم صلاحياته لإحكام قبضته علي السلطة في مصر ، خاصة بعد قراره بحل البرلمان كاملا بدون مبرر، وإعلان الدستور المكمل الذي قوض سلطات وصلاحيات هذا الرئيس الجديد . وقالت صحيفة "جارديان" البريطانية إن ما تعيشه مصر حاليا من قلق وارتباك هو حالة نادرة الحدوث ليس في مصر فحسب بل في العالم كله. أما الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك ، مراسل صحيفة " إندبندنت " في الشرق الأوسط ، فقد نشر تقريرا علي امتداد صفحتين كاملتين بعنوان: " العسكر فقط هم من ضمنوا الفوز في الانتخابات المصرية"، مع عنوان تمهيدي علي الصفحة الأولي يقول: أيا كان الفائز في الانتخابات ، فإن مصر ستخسر". ويري فيسك أن مصر بينما تعيش علي وقع شائعات "الموت السريري" لرئيسهم السابق حسني مبارك ، تترقب في الوقت نفسه ، بخوف وشك وريبة وتوجس ، ما يمكن أن تفرزه الانتخابات التي جرت مؤخرا لاختيار خلف له من بين متنافسين اثنين خاضا غمار جولة الإعادة: الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس حكومة في عهد مبارك، ومحمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين. ويقول فيسك في تحقيقه: "في حال إعلان مرسي هو الفائز، فسيكون بإمكان العسكر أن يتحولوا إلي بوق يجهرون بولائهم له من جهة ، بينما يضمنون من جهة أخري بقاء صوته مكتوما." وفي نفس السياق نشرت صحيفة " تايمز " البريطانية مقالا للكاتب إد حسين بعنوان "بعد الربيع العربي يأتي صيف العسكر"، وعنوان فرعي يقول: " أما وقد بدأ الجنرالات الآن قتالهم ضد الإخوان المسلمين ، وليس ضد الشباب في ميدان التحرير ، فإن المعركة قد تكون دامية ". ويبدأ حسين مقاله بجملة ربما تبدو للوهلة الأولي وكأنها خارج السياق، إذ يقول: "في مصر، لا يوجد أونغ سان سو تشي"، في إشارة إلي زعيمة المعارضة في بورما (ميانمار) التي أمضت أكثر من عقدين تقاوم بشكل أسطوري سلطة المجلس العسكري الذي حكم البلاد بقبضة من حديد قبل أن تفوز مؤخرا بمقعد في البرلمان وتبدأ رحلة إصلاحات قد تقود إلي تحول ديمقراطي تاريخي طال انتظاره. ثم يدخلنا الكاتب إلي صلب الحديث مباشرة، إذ يقول: "لقد خسر الشباب الليبراليون الذين كسبوا قلوبنا بمظاهراتهم الشعبية الحاشدة المطالبة بالحرية في ميدان التحرير، نعم لقد خسروا، علي الأقل في الوقت الحالي." أما كيف؟ .. فيجيب الكاتب بالقول إن شباب الثورة في مصر يجدون أنفسهم الآن، وبعد 18 شهرا من ثورتهم التي أطاحت ب "الفرعون" (الرئيس المصري السابق حسني مبارك)، أمام واقع جد مرير ومظلم: بلد لا تزال بلا رئيس، وعسكر يعودون ساعين لإحكام قبضتهم علي السلطة من جديد. ويقول الكاتب: "إن الأوساخ، وأكوام القمامة المتراكمة في شوارع وطرقات القاهرة القديمة، تذكِّر ملايين المصريين يوميا بالسوس الذي بات ينخر جسد بلادهم ". ويختم الكاتب مقاله باستحضار صورة رمزية لزعيمة المعارضة البورمية، قائلا: "بغياب أونغ سان سو تشي مصرية، فإنه يتعين علي رجال المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يقرروا المسار الذي ستأخذه بلادهم في المستقبل القريب: فإما أن يختاروا دخول القرن الحادي والعشرين، ويتذكرهم التاريخ بأنهم قاموا بفعل الشيء الصحيح، وإما ستلعنهم الأجيال القادمة لقتلهم أبناءهم الذين سيعودون إلي ميدان التحرير ليثوروا من جديد." وفي صحيفة بريطانية أخري هي " ديلي تلجراف " ، اعتبر البروفيسور الأمريكي نيكوس ريستوس أستاذ العلوم السياسية أن الثورة المصرية قد جرت عملية تعبئتها بالفعل في أجولة نظام مبارك ، وأن الشاحنات في طريقها لتفريغها بمقالب الخردة حسبما هو مخطط مسبقا. وقال إن المصريين أصحاب الحضارة طالما كانوا عبيدا للحكام الفراعين منذ الحرب العالمية الثانية ، وأن المصريين اليوم قد يكونوا في وضع أفضل نسبيا لأن لديهم أصوات انتخابية ، إلا أن لديهم المجلس العسكري يمتلك البنادق ، ودعم الولاياتالمتحدة للاحتفاظ بالسلطة . وقال ريستوس المجلس يلعب " البوكر " مع الثوار ، فمبارك غاب عن صدارة المشهد بينما احتفظ كل الموالين له بمناصبهم ، مع التظاهر بمجاراة الثورة تمهيدًا لخنقها. واعتبر الكاتب نظام مبارك كما هو قويا ويمسك بكل مقاليد السلطة في مصر. والدليل دفعه بأحمد شفيق "ليحل محل مبارك كرئيس لمصر. واستمرت صحيفة " واشنطون بوست " الأمريكية في تقاريرها وتحليلاتها اليومية عما يجري في مصر واعتبرت تأجيل إعلان الفائز في انتخابات الرئاسة زاد من سخونة الموقف في الشارع المصري الملتهب ، وسط تقارير تتحدث عن قرب موت مبارك ، واعتقاد البعض بأن هذه التقارير مفبركة لكي توفر غطاء أو ذريعة لنقله من السجن إلي مكان أكثر راحة. أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فقد حذرت من تأخير إعلان الرئيس الفائز في الانتخابات والذي جاء كسكب البنزين علي النار ، وقد يدفع إلي مواجهات جديدة بين الجيش والشعب ، في ضوء الشكوك حول نوايا اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ، نظرا لأنها في نظر المتشككين مكونة من قضاة عينهم الرئيس المخلوع مبارك ، وأنهم بتأخيرهم قد يكونوا في طريقهم لإعداد مصوغات فوز أحمد شفيق آخر رؤساء وزرائه . وشككت صحيفة " التايمز " البريطانية في التقارير التي تتحدث عن تدهور صحة مبارك ، واعتبرت أن أنباء تدهور صحته وقرب منيته هي مجرد عملية تخدير للجماهير المصرية. أما صحيفة " لوس أنجلوس تايمز " فاعتبرت أن الشعب المصري منشغل تماما بمستقبله السياسي والديمقراطي المتوقف علي الرئيس الجديد ، وليس مهتما بصحة الرئيس المخلوع . وقالت الصحيفة إن الشارع المصري لا يكترث بصحة "مبارك" وسط توارد أنباء متعددة ومتضاربة عن موته إكلينيكيا وأخري تسرع في نفي ذلك علي يد مسئولين مصريين.