لم تمنعه ظروفه الصحية من المشاركة بالرأي في قضايا وطنه، إيمانا منه بأن هذا الوطن يمر الآن بمرحلة تاريخية في غاية الدقة، وهي لذلك تحتاج لكل صاحب فكر ورؤي. لقد صمم الدكتور جودة عبدالخالق وزير التموين والتجارة الداخلية أن يقول كلمته في هذا الظرف الدقيق من تاريخ مصر.. صحيح لم يكن قد مر علي خروجه من المستشفي سوي ساعات بعينها بعد أن أجري عملية جراحية دقيقة. ومن ثم ذهبت اليه أنا والأستاذ علي المغربي في منزله لاجراء هذا الحوار والوقوف علي رأيه في القضايا الكثيرة والمهمة التي فرضت نفسها في الفترة الأخيرة ورغم ذلك لم يغب عن هذا الحوار حديث الاقتصاد والتموين والقمح والمستقبل. فتعالوا الي التفاصيل. الاستاذ الدكتور جودة عبدالخالق نحن هنا نحدثك وتحدثنا ليس بصفتك وزيرا في الحكومة الحالية ولكن بصفتك مفكرا.. من هنا نسأل.. من أين نبدأ رحلة هذا الحوار وفق ما تراه مناسبا لهذا الظرف الذي تعيشه مصر حاليا؟! علينا أن نبدأ من اللحظة الحالية.. حيث توجد حالة من الالتباس والارتباك شديدة علي خلفية نتيجة المرحلة الأولي من انتخابات الرئاسة. نتائج المرحلة الأولي وهل كنت تتوقع ما أسفرت عنه نتائج المرحلة الأولي؟ توقعتها بعد أن استقر في يقيني أن القوي الأقرب من حس الثورة قد خانت القضية. وكيف تم ذلك؟ خد عندك حمدين صباحي.. رغم أنني صوت له في المرحلة الأولي.. علي عكس ما كتبت كل الصحف من أنني صوت للفريق شفيق. وأيضا خالد علي، ولو حسبت أبو الفتوح ضمن هؤلاء وتضيف اليهم الاثنين الباقين، يعني المجموع كده أصبح خمسة. ولو أخذت بالك بأن الاثنين اللذين سقطا في المرحلة الأولي وقد أخذ كل منهما أقل من 5٪. والمأساة الكبري انه عندما فشل هؤلاء الخمسة أعلنوا أنهم »مش لاعبين«.! وما حدث منهم بعد ذلك أنا أعتبره انه كان شغل عيال.. وأنت تذكر انني في المقابلة السابقة التي أجريناها منذ فترة قد طرحت فكرة المجلس الرئاسي. ولكن ذلك قد أصبح الآن مثل الطبخة البايتة.. وهؤلاء كان لابد ان يمشوا وراء أغنية أم كلثوم.. وعايزينا نرجع زي زمان؟ أرجع يا زمان. والزمان كما نعرف له مسار واحد ولا نعرف غيره الي الأبد.. من هنا أري أن كل واحد منشغل بقضايا المجتمع يدرك هذه الجزئية.. لذلك عندما سألنا أحد من هؤلاء ويقول لي إننا نريد مجلسا رئاسيا.. أقوله خلاص نحن تجاوزنا هذه المرحلة. وعلينا من الآن أن نبحث وماذا يجب علينا أن نفعله في ضوء المعطيات الجديدة؟! انحسار الهوية وماذا عن رؤيتك المستقبلية لهذا البلد؟! ان أخطر ما تتعرض له مصر حاليا هو انحسار الهوية الرئيسية التي عنوانها الكبير »أنا مصري«.. وتراجعها وبلغة علماء الاجتماع قد حل محلها هوايات فرعية قميئة. بالتالي أصبحنا نسمع بين الحين والحين.. فلان داعية وفلانة نشطة وفلان سلفي.. إذن لقد تحولنا الي طوائف أو شئت قل لقد تحولنا الي مجتمع قبلي. وما أسباب ذلك؟ أسبابه صفوة هذا البلد ونخبته وهم الطائفة التي تتحمل الوزر الاكبر. هؤلاء النخبة من المتعلمين ومن أساتذة الجامعات الذين نراهم يدورون صباح مساء ويتجولون داخل المحطات الفضائية.. وعلي فكرة.. وأنا قادم الي منزلي في اتجاه المحكمة الدستورية العليا وقد شاهدت »عالم صيع«.. لا هم لهم سوي الوقوف أمام كاميرات الفضائيات. ومن هنا أقولك إن أخطر ما يتعرض له هذا الوطن الآن وأنا أعتبر ذلك من القضايا الخطيرة مع الابتعاد عن قضايا الدين نهائيا.. هو غياب الهوية الرئيسية وهي أنا المصري. وكيف يمكن لنا أن نعيد هذه الهوية التي كادت تطمس؟ إنني أعتبر هذه الهوية هي بمثابة الأسمنت الذي سوف نبني عليه بعد ذلك.. وبالتالي عندما أعلي من شأن هذه الهوية.. فإننا من خلال ذلك الجدل السياسي وعلي خلفية المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة تجد غياب هذه النخبة التي يجب أن تبعد الناس بما يصلح هذا البلد بدلا من فاصل الردح الثقيل الذي ينتشر حاليا. وهل ما نحن فيه الآن.. هو نابع من نقص الثقافة السياسية..؟ أم أن هناك أسبابا أخري؟ أولا في علم الاجتماع وبالمناسبة يستحيل تفسير ظاهرة واحدة بسبب واحدة. بل هناك عدة أسباب.. وعندما نعود للاجابة سؤالك السابق.. لا بد أن نتحدث عن الثقافة، وايضا عن حالة الطفولة السياسية التي يمر بها هذا المجتمع. إذن مازلنا نعيش في هذه المرحلة، بل وسنظل نعيش فيها. المرحلة الانتقالية وما هي الفترة التي يمكن أن تستغرقها هذه المرحلة؟ ان ما قيل بشأن 03 يونيو الحالي باعتباره نهاية المرحلة الانتقالية.. إنما يقصد به فقط المعني القانوني، ولكن بالمعني السياسي فإن المرحلة الانتقالية قد تمتد الي مضاعف الخمس سنوات. وأقولك هذا لأنه لدينا في علم الاقتصاد أن الذي يحدث في لحظة ما هو مرتبط فقط بما يسمي الابتدائية. ومن هذه الشروط الابتدائية اننا قد اصبحنا في مجتمع قد تم تجميده وحرق سياسيا. وبالتالي لا يمكن اختزال كل ذلك بالقفز عليه.. بل لابد من تنشيط ما نحن فيه.. وهذا التنشيط أشبه بحالتي التي أجد فيها الآن معاناة.. وما أريد أن أقوله للناس حاليا إن أي متحدث عن الثورة عليه أن يدرك أن الثورة هي أنبل المهام في تاريخ البشر وبالتالي عايز أقولك اكثر من ذلك أن هذه الثورة جرفت وسرقت. وما هي الاسباب؟ سوف أحدثك عن ذلك ولا أريد أن أتوقف امامه كثيرا. إننا قد أصبحنا نعيش في الحصاد نتيجة الاخطاء التي ارتكبت في المرحلة الانتقالية وقد قلت هذا الكلام عدة مرات حتي في عقر دار المجلس العسكري. ولكن الآن لا معني للبكاء علي اللبن المسكوب. وبالتالي لابد أن نسأل أنفسنا ما هو المطلوب الآن منا من أجل أن ننجزه؟! أنك الآن تحدثنا عن ثقافة ربما خاصة بك.. لذا نريد أن نعرف كيف يمكن ان ننقل هذه الثقافة الي بقية المجتمع؟ التاريخ يقول لنا إن هذه الثقافة ونشرها انما هي عملية تدريجية.. صحيح لها مقومات ولها ضحايا بل ولها ثمن كبير جدا.. ايضا ولكن كل ذلك يهون أمام ما يمكن أن نجنيه وفقا للمثل الذي يقول.. مفيش حلاوة من غير نار. وكل ما أخشاه في هذا السياق حالة التجاذب السياسي والردح السياسي وتسيد الهوايات الفرعية السقيمة.. ولما تسمع من يقولك أنا اتجاهي اسلامي.. فعليك أن تسأله.. »إمال أنا أبقي إيه؟!«. وبالتالي إذا لم نسارع من أجل تصحيح كل هذه المسارات وفورا فسوف يدخل هذا البلد في أشر حالة وهي الانقسام. وخطورة الوضع الحالي أنه حتي الآن ورغم كل هذه الظروف التي نعرفها. قد استطعنا أن نحافظ علي الوضع الاقتصادي ليس ذلك فقط، بل دعني أقولك إن هناك شعرة لابد أن يتجاوزها الوضع الاقتصادي الحالي، لأنني أحذر وبشدة من قيام ثورة جياع ستكون أشد فتكا من الثورة الأولي. ويبدو أن هناك بعض الجهات التي تريد أن تغيبنا عن العيش.. في هذه القضية بدليل كثرة الحديث عن نسبة التصويت دون الحديث عن فقراء مصر وماذا قدمنا أو سنقدم لهم. أنا والفقراء وهل إحساسك بالفقراء جاء نتيجة لوجودك داخل وزارة ترصد هذا الفقر وتتعامل معه بحساب شديد؟ بطبيعة الحال.. أحاول من خلال هذا المنصب ألا أجعل الفقر يتزايد داخل المجتمع. وكنت كثيرا ما أتجنب الحديث عن هذا الموضوع لأن الكثير من ادعياء الثورة يتربصون بنا وبالتالي فإنني أربأ بنفسي عن ذلك وكنت قد وعدت نفسي بالثورة وبالتالي كنت لازم أدرس هذا الموضوع بالاضافة الي انني دارس للمجتمع المصري وأعيش فيه.. وبالتالي فأنا أعرف الآن دقة وحرج وهشاشة التنظيمات التي من الممكن في اي لحظة ان تنفجر في الوقت الذي أعرف فيه خطورة الفقر ونتائجه. وقد قال سيدنا علي بن أبي طالب »لو الفقر رجلا لقتلته« ودعني اخصك وجريدتك المحترمة بسبق صحفي هام وما اقوله أعلنه لأول مرة.. ولأول مرة في التاريخ المصري الحديث يصل انتاجنا من القمح باعتباره من أهم السلع الاستراتيجية الي قرابة عشرة ملايين أردب وبالتالي فقد اقتربنا من انتاج ما يقرب من 3 ملايين طن.. وأنا اتابع هذا الموضوع لحظة بلحظة ولدينا أمل كبير خلال السنوات المقبلة أن نكسر حاجز ال 5.3 مليون طن سلعة استراتيجية وما قيمة هذا الارتفاع في انتاج القمح.. وكم سيوفر لنا من العملة الصعبة التي نستوردبها هذه السلعة؟ أول شيء وقبل أن احدثك عن هذا التوفير هو اننا في هذا الموسم كنا قد أعلننا ماذا يجب علي الفلاح ان يزرعه بخصوص هذه السلعة.. كما أعلنت انني سوف امنح الفلاح أعلي من السعر العالمي..حيث تم تسليم الاردب ب573 و083 و583 حسب نوع المحصول ودرجة النظافة.. وهذا معناه أننا نتحدث عن عدالة اجتماعية، وهنا نتساءل عمن هم أكثر الفئات من هذا الشعب الذين في حاجة الي عدالة اجتماعية.. انهم الفلاحون.. إذن أننا هنا قد نظرت لانتاج هذا المحصول نظرة اجتماعية قبل كل شيء فما صحة ذلك؟ نعم صحيح جدا.. بالاضافة الي بعد اخر وهو البعد الاستراتيجي.. وهنا نحن بلا لف أو دوران نعطي الفلاح اموالا في جيبه.. حيث عندما يجف عرقه نعطيه اجره.. وبالتالي فنحن ننشط هذا القطاع كما نصد عن المدن جحافل القرويين من الذين كثيرا ما يهربون من بؤس الاحوال لديهم.. والامر الثاني انه في اللحظة الحالية استطيع ان اوفر تمويل بلغ حتي الان 5.6 مليار جنيه.. وهنا اقولك ان هذا الرقم من واقع متابعة ميدانية شخصية ليس ذلك فقط بل وطلبت من الدكتور ياسر عوض رئيس فرقة التخت الشرقي ان يجهز لنا أغنية محمد عبدالوهاب الجميلة ولتي يقول فيها القمح الليلة فإذن نحن هنا نفجر طاقات.. أما عن دلالته الاستراتيجية، فإن مصر وكما تعرف هي اللاعب الاكبر في سوق القمح العالمي مستوردا.. فبالله عليك عندما ازيد من انتاجي الداخلي من هذه السلع فإنني سوف استطيع ان اهز رقم الاستيراد بمقدار مليون طن وبالتالي فإنني هنا ابعث رسائل لفرنسا وامريكا بأنني قادر علي توفير هذه السلعة داخليا عندئذ سوف تعاد المعادلة مرة اخري في السوق الدولية.. ليس ذلك فقط بل ان فرق النوعية من القمح المحلي والقمح المستورد كبير لصالح المحلي.. وهذا معناه أننا كنا نستعين بنسبة خلط 06٪ مستورد و04٪ محلي و01٪ ذرة.. هذه المعادلة انتهت حيث وصلنا الي نسبة خلط 05٪ و05٪ »سياسة دولة« وهل ما حدثتنا عنه هو رؤية شخصية لك كوزير وكمفكر أم ماذا؟! لا.. هي بالقطع سياسة دولة.. ولم نكتف في هذا السياق بالسياسات المصرية بل هناك ادوات اخري منها علي سبيل المثال نسعي نحو توفير أو زيادة الكميات المعروضة من التقاوي المنتقاة.. وقد اتفقنا في هذا السياق مع وزارة الزراعة لتحقيق هذه الخطوة وسوف نتج عن ذلك زيادة المساحة المزروعة في العام القادم من القمح مع زيادة انتاجية الفدان ايضا والتي زادت بحوالي 2 أردب ونصف الأردب سيادة الوزير مازلت أريد ان أعرف منك.. كم ستساهم هذه الزيادة في هذا المحصول الاستراتيجي في تقليل الاعتماد علي الاستيراد وكم ستوفر من دولارات؟ عندما نقوم بعمل حسبة.. نكتشف انه عندما بدأت تباشير الانتاج المحلي أوقفنا الاستيراد.. وتسألنا ماذا يمكن لكم ان تفعلوا معناه؟! هنا اقولك اننا نحارب حربا شرسة. خاصة في معركة القمح.. في مقابل ما يقوم به بعض الصيع في التحرير أو في كورنيش النيل والذين لا يعرفون أي شيء.. وعايز أقولك اكثر من ذلك ان مافيا استيراد القمح قد امتصت دماء الشعب المصري.. وان شاء الله لو أكرمنا الله سوف يزداد الانتاج المحلي ربما الي 4.3 مليون أردب وكان الانتاج في العام الماضي 6.2 مليون أردب وهنا نأت إلي معادلة السعر خصوصا وقد اصبحنا نشتري بدون ضغوط أو كما يقول التجار اصبحنا نشتري غناوة.. وهذه السياسة سوف تمكننا من التوفير كثيرا جدا. نوفر في التمويل ونزيد دخل الفلاح.. كما نحقق ايضا أمنا غذائيا لمصر.. وحتي لو كان لديك مال قارون يمكن في لحظة يمتنعون عن البيع. وهذا كثيرا ما يحدث خاصة في ظل تغيير ظروف المناخ. أنا والمرض دعنا ننتقل معك الي استراحة قصيرة حتي في الكلمات ونسألك. كيف استغللت فترة المرض الطويلة؟ أقولك.. انها كانت فترة كاشفة نظرا لكثرة لقائي بالاهل والاصدقاء حيث لم اكن اتصور ان هناك شخصيات بعينها يمكن ان تقترب مني في اي ظرف من الظروف قد التقيت بهم علي فراش المرض.. ومن ناحية اخري ادركت قيمة هذه المقولة المشهورة الصحة تاج علي رؤوس الاصحاء كما عرفت معني الانسان وكيف يكون مريضا وضعيفا.. خاصة ان ما حدث لي مرتبط بالفقرات التي ادت الي ما يسمي بسقوط القدم.. اذ اكتشفت في لحظة ما ان احدي قدماي لم تعد تتحرك ابدا وبالتالي كنت استعين بآخرين من اجل مثلا ارتداء الحذاء. هذه القدم والحمد لله قد استعادت نشاطها وعادت الي ما كانت عليه بعد عملية جراحية استمرت 6 ساعات عندئذ اكتشفت انني كنت في جبروت صحي وسرعان ما ضاع مني من دون ان أدري ذلك.. هذه الفترة المرضية بالاضافة الي ذلك قد اتاحت لي فرصة بدرجة كبيرة لتنظيم الوقت كما استطعت استثمار هذه الفترة سياسيا.. وطبعا لم يتأثر شغلي في الوزارة كما كنت استقبل اناسا وبعضهم كان يسألني فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة ولمن سوف تدلي بصوتك.. وعلي فكرة كانت هناك اراء كثيرة ومن مفكرين يساريين أكدوا لي انهم سوف يعطون اصواتهم او منهم من سوف ينتخب غير احمد شفيق.. وكنت اناقشهم واقول لهم ان القطار قادم الي محطة ولا يمكن ان يرجع الي الخلف.. وبالتالي ليس من المنطق ان اقول لأ لفلان أو لأ لفلان ولدينا الهوية المصرية التي يجب ان نحتكم اليها.. وقد اخبرتهم بأن الامتناع عن التصويت او ابطال الصوت سوف يكون في صالح المعسكر الثاني وبالتالي اذا ما صب في هذا الاتجاه فإنه لم يصب في مصلحة مصر.. من هنا كنت اقول اذن من حيث استقامة الاوضاع وسلامة العملية السياسية لابد ان نسعي لضمان ادني للتوزان بين السلطات كنتيجة للانتخابات.. وهذا في حد ذاته يتحدث عن نفسه.. ومن يقول ان فلانا اذا ما نجح لن نتمكن من اقالته.. هذا غير صحيح لانه شيء وقد انتهي وثورة 52 يناير قد اثبتت ذلك.. وعايز اقول للناس ونحن نتحدث عن الثورة ان هناك شيئين لابد ان نأخذ بالنا تجاههما. الأول انه لا يجوز ان نستهين بالثورة وما احدثته اجتماعيا وسياسيا.. كما لا يمكن ان نهون من شأن ما انجزناه حتي الان رغم كل شيء.. لقد اشرت في حديثك الي بعض ملامح النخبة التي وصفتها بانها نكبة وقلت ان نكبة مصر في نخبتها.. فهل ما حدث تم بإرادة هذه النخبة. ام ماذا؟ إمال بإرادة من. دعني اعيد السؤال ربما بألفاظ اوضح.. هل رفضت النخبة المصرية المساهمة في نهضة هذا المجتمع بإرادتها أم اجبرت علي ذلك؟ هذا سؤال مهم. وليس من السهل الاجابة عنه ولكنني سوف استدعي الاجابة من وحي ما نعيشه الان.. لذلك اقولك إن النخبة الحالية وبمختلف انتمائها وبمعايير كثيرة جدا عليها مسئولية ان ترشد الناس أو ان يكونوا لهم حملة مشاعل من اجل ارشادهم للوقاية من منزلق خطير في اتجاه ثورة الجياع.. وعايز اقولك في السياق نفسه ان هذه النخبة لم تجبر ولم تساهم بإرادتها لانهم لا يريدون هذه المساهمة. دوافع شخصية وماهي دوافعهم تجاه عدم هذه المساهمة إنها دوافع شخصية لان كل منهم يريد البطولة، ومنهم ايضا من يريد ان يشار إليه بالبنان.. من هنا تجد الانا لديهم عالية جداً وتفوق مساهماتهم تجاه هذا الوطن.. وهذا يجعلنا نعود إلي النقطة التي بدأنا بها هذا اللقاء والخاصة بإنكار الهوية المصرية، وقد حل محلها أنا زملكاوي وأنت أهلاوي وهكذا.. وعايز أحكي لك عن واقعة غريبة اعقبت مباراة مصر والجزائر الشهيرة هنا في هذا الميدان الذي تراه أمامك واسمه ميدان الجزائر تجمع الالاف من أجل تغيير اسمه إلي ميدان المعلم!! ولذلك أقولك إن هذه النخبة لم تعد تدرك هوية مصر باعتبارها صاحبة مجال حيوي في المنطقة العربية وقد انساقت الي مصالحها الشخصية ويعتبر ذلك جريمة. ولماذا لا تعتبر أن هذا الموقف من جانب النخبة إنما مصدره الخوف؟ لو قلنا ذلك فإن هذا ألعن واضل سبيلاً وهنا اتساءل اخاف لماذا؟! إنهم فقط يخشونعلي مصالحهم الشخصية. وهل موقف النخبة الذي تحول إلي نكبة هو مرتبط فقط بالظرف الذي نعيشه الان.. أم له سوابق؟ جمال عبد الناصر نفسه كتب عن هذه القضية. الذي اكتشف أنه عندما كان يلتقي مع مجموعة يجدهم يجرحون في المجموعة الاخري وهكذا. ولا أريد أن أقول انها صفة وراثية في المصريين ولكن في كل الاحوال فإن هذه النخبة بحكم كونها لا يمكن أن يغفر لها أو يبرر لها هذا الموقف. خلاف حول الدستور وفي رأيك كمفكر لماذا كل هذا الكم الكبير من الخلافات بيننا حول الدستور؟ للفهم الموضوعي للظواهر فإنه عند حديثنا عن الثورة نقول إنها ليست عملية تنطع، أو مرتبطة بالكسالة وإنما هي عمل يحكمه المبدأ وتنظمه النتائج علي الارض وما هو مستفز وخطير ولذلك أقولك إن خطوات تكوينالجمعية التأسيسية حتي في صورتها الثانية والتي انتهت بحكمالمحكمة الدستورية مؤخراً نتجت عن التناحر بين الفئات الذي اعتبره جزءا من طبيعة المرحلة ولكن ايضا هو جزء مما أصاب النخبة. حيث لا يتسع أفق هؤلاء في الرؤية. وهذا معناه غياب التفكير الجماعي. وما السبب في ذلك؟ إن هذا سببه اشياء كثيرة منها نظام التربية والتنشئة، وحتي ما يسود في فتوتنا خاصة ما يتعلق بصورة البطل الذي نراه هو كل شيء. وكل من هم حوله لا شيء. وتغيير ذلك يحتاج إلي وقت. وحين نعود الي حديث الدستور وأقولك اننا حتي لو نجحنا في تكوين جمعية تأسيسية غير مسبوقة وكتبنا دستورا غير مسبوق أيضا فإن ذلك يبعد عنا شبح العد التنازلي للثورة القادمة.. وهي ثورة الجياع التي تمثل القنبلة الموقوتة.. من هنا لابد لنا وأن نعجل بكل ذلك قبل وصول تلك الثورة. طوق النجاة وكيف يمكن ان يكون الدستور القادم طوق نجاة لما حدثتنا عنه؟ الدستور بحكم كونه تحديدا للقواعد الحاكمة في المجتمع وبالتالي فالوصول إليه يشير إلي بداية مرحلة استقرار وبالتالي سيكون هو كذلك عودة لعجلة الانتاج بصورتها الطبيعية مرة أخري. لاننا سوف نحدد فيه طبيعة النظام الاقتصادي واشكال الملكية وعلاقة الداخل بالخارج.. وأنت تري أنها كلها تحديات قد اتفقنا عليها مسبقاً وهي بمثابة ثوابت أو عقد اجتماعي. ولذلك أري أنه من هنا تبرز أهمية الدستور. ولماذا في تصورك تأخرنا في إعداده الي اليوم؟ لقد تأخرنا لأنه كان يجب ان نبدأ بالدستور أولاً وبالتالي لا أريد أن أبكي علي اللبن المسكوب. وهل يعقل أن أصلي أولاً ثم أتوضأ؟! إن هذا لخطأ كبير. يتردد الان أن لدينا ثلاثة دساتير جاهزة للتنفيذ؟ فكيف يمكن لنا التوفيق بينها بحيث نصل الي ما نريده؟ هذا معناه أننا أمام لعبة الكوتشينة وفيها اللعب ليس علي المكشوف. وهنا تجد من يدعي شيئا ويفعل شيئاً آخر. وهذا بالضبط هو المعي الذي اقصده. وهدفه هو تشتيت انتباه الآخرين من أجل مبغاتتهم بما لا يتوقعونه من سلوك ومن الناحية الفنية فإن وضع الدستور ليس مهمة معضلة.. ويمكن لهؤلاء أن يسعوا إلي اعطائك إحساسا بوجود معضلة بهدف تسييد الهوية الفرعية وابعادك عن الهوية الرئيسية.. وعلي فكرة لسنا أول بلد نضع دستوراً. من هنا.. أسألك وهل تري أن تأخر صدور مثل هذا الدستور يقف وراءه أهواء شخصية ومصالح فئوية؟ طبعاً.. ولابد هنا أن أذكر نفسي وإياكم بالثورة المضادة ونتائجها. وماهي نقاط الخلاف التي تتوقع أن تسود لدي الذين يعدون هذا الدستور؟ هذه النقاط هي جزء منها يتعلق بهوية المجتمع وبالذات بالنسبة للمادة الثانية. هذه المادة التي اجدها في تفسير مستجد ومستمر. ونحن لم نصل الي تكوين قوة حرجة كي تتمكن من وضع الامور في نصابها الصحيح. وعلي أية حال إنني متفائل لأن هناك تحركا رغم كونه تحركاً بطيئاً وهو في الاتجاه الصحيح. لابد أن أشير هنا إلي أن ما تدعو إليه المادة الثانية قد شغلنا كثيراً بعيداً عن المجتمع.. وهل نحن دولة مدنية أم دولة دينية. ومن حيث الاداء الاقتصادي فهناك متطلبات في الدستور لابد من استيفائها حتي نضمن تحقيق ما نصبو إليه في الاداء الاقتصادي. وهل في تصورك.. توجد حالة من التعمد الا تناقش المواد الرئيسية المطلوبة في الدستور الجديد؟ هناك بعض الناس الذين يفعلون ذلك، وأريد أن أؤكد لك في هذا السياق أنني مصري ولا أريد أحداً أن يزايد علي ويدعي أن مرجعيته هو الله.. مع أن ربنا بتاع الجميع. وهل كانت هناك نية لدي البعض لاقصاء فقهاء الدستور عن دخول الجمعية التأسيسية؟ يبدو أن هذا هو الامر.. ولدينا علي ذلك شواهد، وهناك بطبيعة الحال فرق بين الشواهد وبين الادلة لانني أحب أن يكون كلامي دقيقاً ورغم ذلك فالمحصلة الاخيرة بالنسبة لتكوين هذه الجمعية أن هناك من يريد أن يدفع المجتمع الي تسييد هوية فرعية ويستبعد الهوية الرئيسية والضحية هنا في النهاية يكون المجتمع المصري. من هنا أدعو كل قوي الثورة ومن قبل فوات الاوان ولأنهم قد اصبحوا مسئولين أمام التاريخ. حكومة الجنزوري وأخيراً نسألك هل تتوقع أن يستمر الدكتور الجنزوري رئيساً للوزراء في ظل الوضع الجديد الذي سينتج عن انتخابات الرئاسة؟ الذي سيأتي بعد الانتخابات سوف يؤسس لدرجة أكبر من التوازن بين السلطات. وكما نعرف فإن الدكتور الجنزوري قد قاد البلاد في ظروف في غاية الصعوبة.. وبالتالي لا أعتقد أنه سوف يستمر لان الحياة مراحل. وحتي بالنسبة لي فإنني بدأت العد التنازلي مع انتهاء المرحلة الانتقالية.