مصطفى عبدالله بصعوبة بالغة وافق الأديب مجيد طوبيا علي أن نصحبه، صباح الأحد الماضي، إلي مستشفي القوات المسلحة بالمعادي، بعد أن أصر علي عدم مغادرة شقته مؤكداً أنه لا يحتاج إلي علاج من أحد، ولولا مساعدة جارته د. هناء صادق حنا لي ولإبراهيم شلبي، مسئول العلاقات العامة بمكتب الدكتور صابر عرب وزير الثقافة، ما تمكنا من إقناعه بتغيير ملابسه للخروج معنا إلي المستشفي لتوقيع الكشف الطبي عليه حتي تبدأ أولي مراحل العلاج. وقد لاحظت أن مزاجه تغير إلي الأفضل بعد أن تحركت بنا سيارة وزارة الثقافة وبدأت تأخذ طريقها من مصر الجديدة إلي المعادي عبر طرق لم يألفها مجيد منذ سنوات، وعندما اقتربنا من سور مجري العيون ذكّرنا، والفخر يبدو علي ملامحه، بالحملة التي خاضها منذ سنين للحفاظ علي هذا الأثر التاريخي، وأخذ يتحدث عن إهتمام الإيطاليين بأصغر حجر في بلادهم، وكيف أنهم يدرسون علاقة الإضاءة وبُعد مصدر الضوء عن الأثر حتي لا تؤثر الحرارة في مسلة أو تمثال أو واجهة مبني قديم، وهنا قال لي: "تذكر طبعاً أنني زرت إيطاليا العديد من المرات قبل أن يقرأ الناس هناك ترجمات رواياتي، فقد ربطتني علاقة حب بأستاذة إيطالية من أصل سكندري هي فريال بارازي، زرت إيطاليا من أجلها عدة مرات، وهي التي تولت ترجمة رواياتي إلي الإيطالية، ومن خلالها تعرفت علي خصوصية هذا الشعب الذي يعشق الحياة ويشبهنا في جوانب كثيرة". ويستطرد قائلاً: "فرنسا هي الأخري من الدول التي زرتها كثيراً ولي فيها ذكريات وصداقات"، وهنا أذكره بلقاء علي أحد مقاهي "مونمارتر" بينه وبين الزميل الكاتب جمال الشرقاوي الذي اتصل بي منذ أيام ليطمئن علي صحة مجيد مؤكداً نبل هذه الحملة التي خاضتها "الأخبار" لتنبيه الساحة الثقافية في مصر إلي أهمية الاعتناء بهذا الأديب الكبير الذي كادت صفحة النسيان أن تطويه وهو حي بيننا. وعندما نقترب من الفسطاط يحرص السائق علي تنبيه مجيد إلي أنه يمكن أن يري متحف الحضارة الجديد عن يمينه. وأجدها فرصة لاستعادة الأيام الجميلة في حياته فأسأله عن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وإلي من منهما يميل؟ فيرد بتلقائية شديدة: "كنت صديقاً لكليهما.. توفيق الحكيم الذي كان لا يستقبل ضيوفه إلا يوم الخميس كان يسمح لي بزيارته في أي وقت، وكثيراً ما كان يقرأ علي مقالاته قبل أن يدفع بها إلي المطبعة"، وهنا أسأله عن رأيه في الحكيم وهل يري، مع من يرون، أن مسرحه أقرب إلي القراءة منه إلي التمثيل لأنه مسرح ذهني يفتقر إلي الحركة؟ فيرد: "توفيق الحكيم كاتب عظيم، و(عودة الروح) هي أصل الرواية المصرية. أما نجيب محفوظ فكنت من أول من ارتبطوا به وتنقلت معه بين العديد من مقاهي القاهرة التي لفظتنا بسبب مطاردة البصاصين من كتبة التقارير ورجال المباحث"، وهنا أعلق: "من أطلقت عليهم أنت (الهؤلاء)"، فيبتسم ويضيف: "تصور واحد مش فاكر اسمه قال لي بعد أن أصدرت رواية (الهؤلاء) يا أستاذ.. اسم الإشارة لا يعرف!، فكان ردي: من اليوم، اعلم أنه سيعرف". وتشجعني ردود مجيد وتفاعله لكي أسأله عن أديبين آخرين اقترب منهما بحكم عمله في المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية.. عبدالرحمن الشرقاوي، ويوسف السباعي، فيقول: "لم أكن قريباً من الشرقاوي الذي كان سكرتيراً عاماً لهذا المجلس ولكنني عرفت أن يوسف السباعي طلب منه أن يعتبرني في تفرغ مفتوح حتي أبدع كما يحلو لي". وأعود فأسأله: "ويوسف السباعي.. هل تري أنه أديب بحق؟"، فيرد منفعلاً: "يوسف السباعي أديب وابن أديب، وهو صاحب انتاج روائي ضخم وأنا أحب كتابته، وهو صاحب أفضال علي كثير من أبناء جيلي الذين ساندهم ويسر لهم سبل الحياة". وأعود فأسأله: "من الذي علمك كتابة السيناريو؟"، فيسرح طويلاً ثم يقول: "بلا شك ..صلاح أبو سيف فقد درّس لي في معهد السينما وفي معهد السيناريو أيضاً، وتعلمت منه الكثير". ونصل إلي وجهتنا، وأُدرك أننا نوشك علي دخول ثكنة عسكرية فأتوقف عن طرح الأسئلة، وأتأهب لمرافقة المريض.