توفيق الحكيم من ضمن الشخصيات التي التقيت بها وحاورتها خلال عملي في التليفزيون.. الأديب الكبير والشخصية الفريدة جدا في كل شئ.. توفيق الحكيم..! وقد بدأت معرفتي بكاتبنا الكبير وأنا طالب في كلية فيكتوريا بالمعادي حيث قمت بتمثيل الدور الذي قام به صلاح ذوالفقار في فيلم »الأيدي الناعمة« وهي رائعة من روائع أعماله والتي قدمها للسينما المخرج محمود ذو الفقار وجمع فيه مجموعة كبيرة من نجوم السينما.. أحمد مظهر، صباح، مريم فخرالدين، ليلي طاهر..! وقد تعرفت علي باقي أعمال أديبنا الكبير خلال دراستي في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، كما كانت تربطني صداقة بابنه الوحيد اسماعيل الحكيم الذي كون فرقة موسيقية شبابية كانت تقدم حفلاتها في حديقة قصر المنتزه في عصر انتشرت فيه الفرق الموسيقية الشبابية ومنها فرقة LES PETITS CHATS وفرقة ال"CATS إلي جانب فرقة اسماعيل الحكيم والتي اشتهرت باسم " BLACK COATS وكانت هذه الفرق تقدم أحدث الأغاني والألحان الغربية لمئات المعجبين بها من الشباب! وقد طلبت مرارا من صديقي اسماعيل الحكيم أن يعزز طلبي المتكرر عند والده ليكون ضيفي في أشهر برامج التليفزيون في ذلك الوقت »النادي الدولي« ولكنه كان دائما يؤكد لي اصرار والده علي عدم الظهور أو التحدث في أي برامج تليفزيونية! وجاءت الفرصة الذهبية أخيرا.. فقد دعا وزير الإعلام يوسف السباعي مجموعة كبيرة من نجوم الأدب والفكر والفن لافتتاح جزء جديد من مصنع الحديد والصلب بحلوان ومنهم توفيق الحكيم! وعلمت أن نهاية جولة الضيوف الكبار في المصنع ستكون في استراحة المصنع ليتناولوا المرطبات والشاي! وهنا خطرت لي فكرة لأحصل علي حديث نادر مع توفيق الحكيم عدو الكاميرا!! وفي الاستراحة وفوق المائدة التي سيجلس حولها الضيوف وضعت 4 ميكروفونات مختفية تحت باقة الورود تخفيها تماما عن الأنظار.. واطلعت وزير الإعلام الراحل الجميل يوسف السباعي علي المؤامرة وطلبت منه أن يجعل توفيق الحكيم يجلس في المكان المواجه للميكروفونات. وضحك يوسف السباعي وقال لي: لو عرفت تخليه يتكلم.. لك عندي عشرة جنيه مني (طبعا عشرة جنيه أيامها يعني عشرة آلاف دلوقتي) وقبلت التحدي ودخل الضيوف الكبار القاعة بعد جولتهم الطويلة في المصنع ورحب بهم الوزير وأشار لتوفيق الحكيم.. »اتفضل هنا يا توفيق بك«.. وجلس توفيق الحكيم في المكان المحدد وما أن رآني وشاهد كاميرا التليفزيون حتي هم بالوقوف وعصاه في يده وقال لي: ياواد أنا قلتلك أنا مش بتاع تصوير. وهنا أسرع يوسف السباعي إليه قائلا ياتوفيق بك.. دي كاميرا بلا صوت.. مجرد بتسجل الحدث علشان تذيعه في نشرة الساعة التاسعة! واقتنع توفيق الحكيم وعاد إلي مكانه وبدأ يشرب الشاي في هدوء وهو ينظر إليّ والكاميرا طبعا بتصور والميكروفونات الخفية بتسجل.. واقتربت منه لأعطيه قطعة جاتوه وسألته: توفيق بك كل الموجودين هنا بيقولوا انهم لما يزوروك في مكتبك في الأهرام ممكن يقعدوا ساعتين من غير ما حضرتك تطلب لهم فنجان قهوة سادة؟ قال: وهو أناي جاي مكتبي اشتغل ولا أنا فاتح كافتيريا.. ما هو لو كل واحد دخل مكتبي وقالي صباح الخير اجيبله قهوة يبقي مش حا اخلص.. ومش حاشتغل! وهنا تدخل يوسف السباعي ضاحكا: ياتوفيق بك.. ده طبع فيك حرصك الشديد ده جزء من أسطورة الحكيم بخيلا! وهو يعني لما أطلب قهوة لكل اللي خبطوا علي مكتبي.. دي حا تخليني ابقي الحكيم.. كريم.. بناقص يا سيدي! كمال الملاخ: ياتوفيق بك.. دانتا سيارتك في الجراج مش عاوز تركبها وبتروح معظم مشاويرك علي رجليك! توفيق الحكيم: وماله يا أخي.. حركة.. رياضة.. ده حتي المشي موصوف لأي حد فوق الخمسين. وأسرعت مرة أخري لتقديم مزيد من الشاي له.. فنظر لي قائلا: ماتزعلش مني ياسمير.. أنا باحب شغلك قوي.. لكن أنا عندي مبدأ.. ممنوع التصوير. ليه ياتوفيق بك.. ليه تحرم الناس من أنهم يستمتعوا بك وبفكرك وبشخصيتك في التليفزيون؟ ياسمير يا ابني أنا راجل شكلي وحش وصوتي وحش.. لو ظهرت معاك حافقد نسبة كبيرة من المعجبات! قلت: وهل عدو المرأة مهتم بالمحافظة علي المعجبات؟ قال: انت صدقت اني عدو المرأة.. هو فيه حد عاقل ممكن يبقي عدو المرأة.. أنا زي ما قلتلك أنا كتاباتي شئ وشكلي شئ أقل بكثير.. أنا خليت الستات يعتقدوا بأني عدو المرأة حتي استفزهم.. ويحاولوا الاقتراب من عدوهم أكثر ويغيروا تفكيره.. وأنا ماشي في الحكاية وأتلقي مئات الرسائل من جميلات مصر بتكرهنا ليه يا توفيق؟ احنا عملنا لك ايه يا توفيق؟ ده حتي كان فيه واحدة حلوة قوي جاتلي المكتب وعرضت عليّ الزواج وهي تقول »حاخليك تغير رأيك في المرأة.. اتجوزني شهر واحد«! شفت بقي حكاية عدو المرأة دي عملتلي ايه؟ استفزت نص ستات مصر والعالم العربي.. ودفعتهم لمحاولة التعرف بي!! توفيق بك.. مين أجمل ممثلة جسدت شخصية كتبتها في رواياتك؟ راقية ابراهيم في »رصاصة في القلب«.. دي كانت ست.. شخصية.. جمالها في قوة شخصيتها.. أنت عارف ياسمير الفيلم ده.. كان خامس أفلام صديقي محمد عبدالوهاب معبود النساء في ذلك الوقت.. وكان من ضمن مشاهد الفيلم أغنية »الميه تروي العطشان« وصورها عبدالوهاب في البانيو في ميه سخنة وهاجمتنا الصحافة في ذلك الوقت وكان لي نصيب الأسد في هذا الهجوم علي اني كاتب القصة.. واعتبروا ان تصوير عبدالوهاب وهو عاري الصدر في البانيو شئ غير أخلاقي ولابد من حذف الأغنية بأكملها من الفيلم.. وتسببت هذه الضجة في زيادة الاقبال علي الفيلم!! هل راهب الفكر في فيلمك »الرباط المقدس« والذي تتردد عليه سيدات متزوجات.. هل هو حضرتك؟ متزوجات.. مطلقات.. أرامل.. أنا أحب المرأة جدا.. أعشق أناقشها.. أجادلها.. أغيظها.. فالحوار مع أي امرأة ممتع للغاية والعلاقة هنا.. هي علاقة صداقة.. صداقة الفكر والفتنة الكامنة وراء عيون أي امرأة في العالم. قلت: أنا معجب جدا بحضرتك.. كل السنين دي والناس فاهمة انك عدو المرأة.. أرجوك ياتوفيق بك.. خليني أعمل لقاء معاك لبرنامجي. قال: واطفش مني المعجبات.. أبدا!! وفوجئ توفيق الحكيم بخبر في الجرائد »توفيق الحكيم الليلة في النادي الدولي«.. فاتصل بالوزير يوسف السباعي الذي طمأنه.. ما هي دي لقطة من زيارتك للمصنع.. من غير صوت يا توفيق بك! وأذيعت الحلقة.. التسجيل الوحيد للكاتب الكبير في التليفزيون المصري وحاولت أن أتجنب أي مكان ممكن التقي فيه معاه.. فقد أبلغني الأستاذ أنيس منصور ان توفيق الحكيم حيضربك بعصاه الشهير أول ما يشوفك.. وبعد مرور حوالي شهر.. كنت في زيارة لباريس ودخلت فندق »انتركونتننتال« فقابلني الفنان يوسف فرانسيس الذي كان يخرج في باريس فيلم »عصفور من الشرق« وفجأة وجدت أمامي توفيق الحكيم.. فالفيلم يعتبر سيرته الذاتية وهو مدعو في باريس. قلت له : ماتزعلش مني.. ده كان حلم بالنسبة لي أن تكون في برنامجي. قال: أنا مش زعلان.. انت واد جن.. لكن أنت اللي حاتزعل أو تتفرس لما تعرف ان عدد المعجبات زاد.. وفضول المرأة لمعرفتي زاد.. وكل الستات قالولي: كنت أحلي من سمير صبري! قلت له : وماله.. بس أنا بقي كسبت التسجيل التليفزيوني الوحيد للأديب الكبير. وابتسم توفيق الحكيم ولم يعلق .