من أثار الثورة المصرية بعث روح السخرية الحادة التي تميز بها المصريون عبر التاريخ، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الحاكم، وهذا موضوع قديم. جزء أصيل من مكونات الثقافة المصرية منذ العصر الفرعوني وحتي الحديث، عندما أتيح لي أن أري قطع الاوسترايكا، أي شقف الخزف التي كان يرسمها العمال المكلفون برسم المقابر الملكية في البر الغربي للأقصر دهشت وحرت، هؤلاء العمال كانوا يرسمون الملوك علي الجدران بصحبة رموز الآلهة، كان ذلك يحدث نهارا، حتي إذا ما عادوا الي بيوتهم في الليل وشربوا البوظة يبدأون في رسم الاشكال التي يسخرون فيها من ملوكهم المقدسين، بل ويصورونهم في أوضاع فاحشة. حيرتي محورها، ايهما أصدق. رسوم النهار أم رسوم الليل؟ بالطبع كانت إبداعات الليل المنقوشة علي قطع الفخار اكثر صدقا، لأنها خارج المنظومة بكل مستوياتها. الدينية والسياسية. في جميع مصادر التاريخ التي كتبت بعد الغزو العربي لمصر وخلال المراحل التاريخية المختلفة من فاطمي وأيوبي ومملوكي وعثماني وحتي العصر الحديث، سنجد السخرية المصرية شعرا ونثرا، كثير منها محوره الحاكم. خاصة اذا كان ضعيفا أو فاسدا، أو باطشا، مع الزمن برزت النكتة كعنصر مقاومة ضد الظلم والبطش والفساد. وفي أعتي الظروف الحالكة لم يتوقف المصريون عن النكتة، وأذكر طوفان السخرية الذي أعقب هزيمة يونيو 7691، أحيانا تصبح السخرية جلدا للذات، وعلاجا نفسيا لكوارث جمة، وعندما طلب جمال عبدالناصر من الشعب الكف توقف المصريون عن التنكيت وتلك حالة فريدة ونادرة، خلال العقود الثلاثة الأخيرة كنت أقلق عندما يتوقف ظهور النكت، ذلك يعني الاكتئاب، وقد طالت مدد الصمت، كانت الذروة في بداية حكم الرئيس السابق مبارك، عندما تداولت النكت وصفا شهيرا مازال في ذاكرة الناس. والسخرية من مشروعات علاء مبارك »من مصروفه اشتري شقتين واحدة في مصر الجديدة والأخري في الهرم وفتحهما علي بعضهما«. ثم ساد صمت بعد الثورة بدءا من لحظة ظهور عمر سليمان والرجل اللي واقف وراه بدأت مرحلة مختلفة في السخرية المصرية لها ملامح ورؤي مختلفة، آخر مرحلة منها ما انتشر علي مواقع الانترنت وعرف بالأقوال المأثورة، وهذا له حديث آخر.