من الواضح أن الشعب المصري متعدد الديانات والمعتقدات يشعر بالخوف الشديد، في هذه الأيام، مما يقال ويثار عن »الفتنة« التي اختلقها أناس لا يُعرف عنهم »التعصب« فقط، وإنما أسقطوا عمداً أو سهواً أقنعة كانت علي وجوههم، فكشفت الآن عن كراهيتهم الدفينة، والخطيرة، بعضهم للبعض. كراهية الآخر كانت مقنعة. تعلن داخل الغرف، أو دور العبادة، أو حول موائد الاجتماعات. وإذاحدث وتسرّبت مقولة أو مقولتان منها إلي الشارع، سارع قائلها سراً، لنفيها علناً. وكنا وما زلنا نرحب بالنفي، حتي وإن صدّقنا ما نُسب إلي هذا أو ذاك. فالمهم التمسك بالوحدة الوطنية. والأهم وأد الفتنة في مهدها. الأمر اختلف في هذه الأيام. فكراهية الآخر لم تعد مغلفة بما يمنع سماعها، و يحجب رؤيتها. قيل، ونشر، إن المفكر الإسلامي الأستاذ »محمد سليم العوا« ظهر علي شاشة قناة »الجزيرة« وقال أمام ملايين المشاهدين إن أقباط مصر يختزنون الأسلحة داخل كنائسهم (..). اتهام مذهل، مرسل، ومخيف. فوجود أسلحة في »دار عبادة لدين سماوي« يعلن عن نية مبيتة لاستخدامها ضد من يظنونهم خصومهم أو أعداءهم من مسلمي مصر. كنت أتوقع أن يتنبه الأستاذ العوا إلي خطورة ما قاله قبل النطق به حتي لا يتصور المشاهدون وما أكثرهم ان الهدف التلقائي من وراء إطلاق هذا الاتهام هو إثارة المسلمين متعصبين كانوا أو معتدلين ومن الممكن جداً أن يفكر البعض في أن »الهجوم أفضل وسيلة للدفاع«.. كما يقول العسكريون،ولا يستبعد أن يقدم أحدهم علي تطبيقه فيما تُحرمه الأديان السماوية، و ترفضه العقلانية البشرية! هل أسأت فهم ما نشر منسوباً لما قاله في القناة الفضائية القطرية؟ ربما.. بشرط أن يفسر للمصريين والعرب والأجانب لماذا اتهم بدون أي دليل بعض المواطنين بتكديس الأسلحة في دور عبادتهم؟! وما الهدف من تكديسها؟! وهل ما يزال مقتنعاً بما نسب إليه، من أن جامعي الأسلحة داخل الكنائس من الأقباط المصريين يخططون و يسعون إلي الانفصال بدولة تبعدهم عن مسلميهم.. أم ربما ما سمعناه وقرأناه كان محرّفاً، ولم يقله وبالتالي لم يقصده؟! قبل أن تنتهي تداعيات »كارثة العوا« التي أغضبت المصريين أقباطاً قبل المسلمين صدمتنا كارثة ثانية فجّرها »الأنبا بيشوي«، وأغضبت المصريين أيضاً المسلمين قبل الأقباط حيث شكك في وجود آية في القرآن الكريم، زعم أنها أضيفت إليه فيما بعد(..). العقلاء من بين هؤلاء وأولئك وهم كثر كانوا أول من تنبهوا إلي خطورة ما نسب إلي هذا وذاك، وتوقعوا تداعيات بالغة الخطورة يمكن أن تمس وحدتنا الوطنية في الصميم. ولذلك كان التحرك السريع لمحاصرة تلك الأزمة قبل فوات الأوان. أسعدنا البيان الذي أصدره علماء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، دافعوا فيه بكل قوة عن القرآن الكريم، ونددوا بالتشكيك في آياته. ومن جانبه أدلي »قداسة البابا شنودة« بحديث تليفزيوني علي القناة الأولي أجراه الزميل عبداللطيف المناوي قدم فيه اعتذاراً شجاعاً للمسلمين عن تصريحات »الأنبا بيشوي« المسيئة للقرآن. كما نفي قداسته »وجود أي جماعات تنصيرية تابعة للكنيسة، أو أي نشاط مماثل«. وأضاف رفضه القاطع لما تردد عن وجود أسلحة مخبأة بالكنائس والأديرة، مؤكداً أن: »كل المنشآت المسيحية متاحة أمام الجميع مسيحيين أو مسلمين كما أن الأجهزة الأمنية ليست في غفلة عن ذلك«. ومن جانبه سارع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بتصريحات عبّر فيها عن ارتياحه وتقديره للمعاني التي تضمنها حديث قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. كما أهاب الإمام الأكبر بالمصريين جميعاً »أن يرتفعوا فوق كل ما يثير سوء الفهم، وأن يؤكدوا علي الأخوة الوطنية التي تجمع الشعب الواحد في الوطن الواحد، وتتضافر جهودهم من أجل أن تكون مصر كما كانت دائماً، وكما ستظل أبداً أرض الحضارة، والتقدم، والإخاء«. نفس الترحيب والتقدير لمبادرات عقلاء الجانبين قرأناه منسوباً للمجلس الأعلي للصحافة الذي أفزعه ما جري، ويجري، وطلب »صفوت الشريف« رئيس المجلس تشكيل لجنة برئاسة الزميل صلاح منتصر وكيل المجلس لدراسة وتحديد التأثيرات لبعض ما نشر بالصحف منسوباً »للعوا، والأنبا بيشوي«، وغيرهما علي الوحدة الوطنية. وأضاف بيان لجنة المجلس الأعلي للصحافة ضرورة وأهمية الحرص علي وحدة الوطن التي ستبقي دوماً القلعة الصلبة التي تحتضن المسلمين والمسيحيين. والسؤال الآن: »هل انتهت »الأزمة« التي أشعلتها كلمات لا ضابط لها ولا اتزان فيها أطلقها مغامرون بوحدتنا الوطنية عن عمد أو سهو وكادوا أن يشعلوا ناراً من الصعب علينا محاصرتها، وإطفاؤها؟!«.