الاثنين: يا سيادة الفريق.. إنني متأكد انك علي درجة كبيرة من الوطنية والإخلاص لبلدك وإنك ضحيت بحياتك مرات في سبيل تحقيق النصر لهذا الوطن، لم تهب الموت أو الخوف من الهزيمة، وألقيت بنفسك بين نيران العدو بشجاعة فائقة وقلب جرئ بدافع من ولائك وإخلاصك ووطنيتك. يا سيادة الفريق.. أنت الآن تعيش فرحة الانتصار فقد نصرك الشعب وأعطاك صوته، وقد يكون انتصار لم يكتمل، ولكنه علي أية حال انتصار يستحق أن تفخر به، وتشعر بالسعادة لهذا التأييد الشعبي الذي أصاب الكثيرين بالدهشة والاحباط خاصة في هذه المرحلة التي تتعالي فيها الأصوات ضدك وتعتبرك من الفلول والمنتمين للنظام السابق، ومع إنني لست منهم، علي الأقل بالنسبة لك لإيماني بوطنيتك ومعرفتي بك عن قرب فإنني أهيب بك ان تحتكم إلي عقلك ووطنيتك الأصيلة، ومبادئك الشريفة، وقسمك العسكري بالإخلاص والتفاني في سبيل رفعة الوطن، أهيب بك وأنت تعرف ماذا سيترتب علي الوضع الذي آلت إليه نتائج الانتخابات، فقد بدأت منذ الآن القوي السياسية والحزبية تتكتل وتحشد قواها لتقف صفاً واحداً ضدك حتي لا يتحقق لك الفوز في جولة الاعادة وأعلن شباب الثورة أنهم سيعطون أصواتهم لمرشح الاخوان المسلمين مكرهين ومرغمين وذلك في سبيل إخراجك من دائرة السباق.. كما هدد البعض بمقاطعة الانتخابات اهيب بك ان تنقذ وطنك من محنته. وأنت قادر أن تفعل ذلك. يا سيادة الفريق: إن مصر علي حافة الهاوية، يهددها الانقسام والتناحر والصراع وربما تتعرض لحرب أهلية، وأنت الوحيد الذي يملك مفتاح الانقاذ وطوق النجاة بيدك ان تحقق الاستقرار لوطنك وتريح النفوس وفي الوقت نفسه ترفع الكابوس الذي يجثو علي قلوب الشعب، ويريد السيطرة الكاملة عليه بل ويحول مصر الدولة ذات المجد والماضي العظيم الي دولة إخوانية يحكمها بديع، في يدك يا سيادة الفريق ان تنقذ بلدك بنفس الروح والشجاعة التي حاربت بها العدو، من براثن هذا التيار الذي يقودها الي مصير لا يعلمه الا الله! يا سيادة الفريق: إنك بكلمة واحدة يمكنك ان تحقق حلم الملايين من أبناء وطنك، إن هذه الكلمة ستدخلك التاريخ من أوسع أبوابه وستصبح في نظر الشعب الملاك المرسل من السماء الذي بعث به الخالق لإنقاذ مصر. هذه الكلمة هي »الانسحاب« من ساحة المنافسة علي كرسي الرئاسة، إذا أعلنت ذلك وضحيت بكل شئ في سبيل وطنك فإنك ستدخل الي قلوب الملايين، ليس الذين أعطوك أصواتهم فحسب بل وجميع من كانوا يقفون ضدك، سيتحولون جميعاً الي أنصار ومحبين لك. يا سيادة الفريق: إن الوطن يناديك في هذه اللحظات الحاسمة، الوطن ينتظر قرارك الحاسم، قرارك الذي سينقذه من مؤامرات القوي المعادية التي تريد تمزيق مصر، وقد بدأت بالفعل العمل منذ الآن. إنك بإنسحابك من الساحة يا سيادة الفريق سوف تتيح الفرصة للفائز الثاني حمدين صباحي ليكون في مواجهة مرشح الاخوان وهو بحكم ما حصل عليه من تأييد شعبي وقبول عند شباب الثورة فسوف تتكاتف معه جميع القوي السياسية الاخري حتي يتحقق له الفوز وبذلك تنقذ وطنك من كارثة محققة ومن استحواذ الاخوان علي جميع السلطات، وتخليص البلاد من سيطرتهم ولا يخفي علك ان احتمالات فوزك قد تكون ضئيلة، لما تواجهه من معارضة شديدة، وحملات شرسة. يا سيادة الفريق: إن هذا العمل البطولي لا يقل أهمية عن البطولات السابقة التي حققتها في الحروب دفاعاً عن أرض مصر وكرامتها، بل قد ترقي الي مستواها.. إنها البطولة التي سوف يسجلها العالم ويذكرها لك الشعب والتاريخ علي مر السنين. الأخبار... تجدد شبابها في عيدها الستين الثلاثاء: أول شيء يفعله ابني الاصغر محمد عندما يستيقظ في الصباح هو أن يسألني.. فين الأخبار.. أحيانا أكون لم أنته من قراءتها فأقدم له صحيفة أخري وأنا اقول له: خذ هذه الصحيفة حتي أنتهي من قراءة الاخبار، ولكنه يرفض.. فاضطر الي اعطائها له قبل ان انتهي منها.. إنها بالنسبة له وجبة الصباح الشهية التي يبدأ بها يومه.. وقبل أن يتناول افطاره! وهذا يذكرني بقول مصطفي امين رحمه الله. الاخبار هي صحيفة الشباب.. انها وجبة خفيفة سهلة الهضم مثل السندويتش.. تستطيع ان تقرأها وأنت سائر في الشارع أو تقف علي محطة الاتوبيس.. أو تجلس في التاكسي.. انها تقدم لك الخبر وكأنه برشامة صغيرة يمكنك تناولها في ثوان.. واذا لم يكن لديك الوقت لقراءة الخبر كاملا، فيمكنك الاكتفاء بالمقدمة التي تتكون من عدة سطور.. ونظام المقدمة أدخلته مدرسة اخبار اليوم في الصحافة المصرية، ويمكنك بعد ذلك قراءة تفاصيل الخبر عندما يسمح وقتك. لا أنسي عندما كنت اعمل نائبا تنفيذيا لرئيس التحرير، كنت اظل ساهرا في صالة التحرير الي ساعة متأخرة من الليل حتي اطمئن علي صدور الطبعة الاخيرة، وكان هذا يسبب لي خلافات مع زوجتي التي كنت ادخل عليها في الثالثة صباح كل يوم، وهي مازالت عروسا تحلم بأن تستمتع مع زوجها بسهرة خارج المنزل تتناول خلالها العشاء أو تذهب بصحبته الي المسرح أو السينما ولكن خاب ظنها وذهبت أحلامها هباء. وكنت غالبا ما أعود اليها في هذا الوقت المتأخر.. وملابسي ملوثة بحبر المطبعة، فكانت ماكينات الطباعة في السبعينات لا تزال بدائية، ولا يمكن تفادي ما يتخلف عنها من أحبار أو تفادي الاحتكاك بالفنيين الذين يعملون عليها، وملابسهم الزرقاء ملطخة بالحبر الاسود ايضا.. ومع ذلك فكانت رائحة أحبار الطباعة تستهويني حتي انني اصبحت مدمنا لها لا استطيع ان استغني عنها وكأنها عطر فرنسي من اشهر الماركات العالمية. وعندما صدر العدد الاول من الأخبار في مايو سنة 2591 احدث ضجة في الشارع المصري، وهزة عنيفة في اعصاب الصحف الاخري، فقد خرجت في تبويب جديد ومختلف ومانشيتات مبتكرة كان لها تأثيرها القوي والمباشر علي القاريء، كان المانشيت يتكون أحيانا من كلمة واحدة أو كلمتين فقط، وكانت كتابة المانشيت تتم في سرية تامة حتي لا يتعرض للسرقة من جانب المنافسين، وكان يكتب المانشيتات في ذلك الوقت الخطاط الموهوب محمد السخيلي رحمه الله، كان يدخل الي احد المكاتب ليكتبه، ومحظور عليه كتابته في صالة التحرير حتي لا يراه احد، وكان مصطفي امين يغلق عليه باب المكتب بالمفتاح ولا يفرج عنه الا بعد الانتهاء منه. أما الآن فان التكنولوجيا الحديثة والكمبيوتر اصبحا يقومان بهذه المهمة في دقائق معدودة ودون جهد كبير، واصبحت مانشيتات الصحف تذاع في الفضائيات قبل صدورها!. هذا السيرك الصحفي! وعندما التحقت بالعمل في الاخبار وأنا ما أزال طالبا في كلية الحقوق، كان يستهويني الجلوس في صالة التحرير، فقد كانت تضم قمم الصحافة في ذلك الوقت، موسي صبري وأحمد زين وفهمي عبداللطيف ولطفي حسونة وعبدالسلام داود ونبيل عصمت وعثمان لطفي وجلال دويدار وسامي جوهر ومصطفي غنيم وسعيد اسماعيل ووجيه أبوذكري ومنير نصيف وعبدالفتاح البارودي. وأحيانا كان يفاجيء صالة التحرير مصطفي امين وعلي امين وذلك في الاحداث الهامة لمتابعة الاخبار، وكنت أهوي السهر لمجرد الفرجة علي هذا السيرك الصحفي المثير، كان جو المرح يسود الصالة، ضحكات وفكاهات وقفشات، كنت اظل ساهرا الي ما بعد منتصف الليل وأحيانا حتي الساعات الاولي من صباح اليوم التالي، وعندما يراني مصطفي أمين جالسا حتي هذا الوقت المتأخر، يداعبني بقوله »ياسمير قوم روح دقنك طولت«. إن الاخبار كانت أول صحيفة يومية تصدر عن دار أخبار اليوم، بعد صحيفة اخبار اليوم الاسبوعية التي صدرت عام 4491 كان رؤساء التحرير عند صدور أول عدد من الاخبار نخبة من أعلام الصحافة وكبار الكتاب- علي أمين- مصطفي امين- احمد الصاوي محمد- جلال الحمامصي- كامل الشناوي- محمد زكي عبدالقادر- وكان معظمهم يكتب يوميات الأخبار بالتناوب في الصفحة الاخيرة. ومن الأعمدة الشهيرة بالأخبار عند صدورها عمود فكرة وكان يكتبه علي امين، وعمود ما قل ودل وكان يكتبه الصاوي، وعمود دخان في الهواء وكان يكتبه الحمامصي وعمود نحو النور وكان يكتبه زكي عبدالقادر وعمود علامة استفهام وكان يكتبه عبدالسلام داود. وقد استطاعت الاخبار خلال شهور قليلة ان تتفوق علي الصحف الاخري وتقف علي قدم وساق مع أكبر الصحف توزيعا، بل وتتفوق عليها، وقد قال محمد حسنين هيكل عن الأخبار وكان حينذاك رئيسا لتحرير الاهرام انها صحيفة، الأمل والشباب وقال عن الأهرام انه كالشيخ العجوز الذي أريده ان يظل كما هو دون تغيير في شخصيته. والفرق كبير بين الصحافة الان والصحافة زمان، كانت الصحافة تئن وتشكو من القيود والرقابة، وكان الرقيب الموفد من هيئة الاستعلامات وهي الجهة المسئولة عن الرقابة يقيم في الدار، وكانت كل صحيفة لها رقيب معين، وكنا ننافقه وندفع له يوميا نفقات ما يطلبه من اطعمة ومشروبات علي مدار اليوم من البوفيه، حتي يتغاضي عن بعض العبارات أو الكلمات العادية، والتي كان يري فيها هجوما علي السلطة أو علي وزير أو مسئول معين رغم انها لا تحمل اي هجوم. واذكر ذات ليلة ان الرقيب امر بشطب موضوع كان منشورا بالصفحة الاولي بالأخبار يتضمن هجوما علي الحكومة، وعندما عرض الامر علي مصطفي امين رفض شطب الموضوع واصر علي بقائه فما كان من الرقيب الا ان دخل الي المطبعة واصدر تعليماته للعمال، بوقف الماكينة بل وحاول وقفها بنفسه، فنزل علي امين علي الفور من مكتبه بالدور التاسع غاضبا ووجه الي الرقيب كلمات قاسية اتهمه فيها بالجهل والتعنت وكاد يشتبك معه ويعتدي عليه بالضرب. فما كان من الرقيب الا ان استنجد بوزارة الداخلية فأرسلت له قوة من الشرطة وكان علي رأسها اليوزباشي امين متكيس الذي عين فيما بعد محافظا للشرقية، فأوقف ماكينة الطباعة وصادر ما طبع من الجريدة في حماية الشرطة. ولائم العشاء!! ولا يغيب عن خاطري ولائم العشاء التي كنا جميعا نشترك في تكاليفها وكانت تقام في صالة تحرير الاخبار بزعامة الزميل الراحل فاروق الشاذلي الذي كان يعشق كل ما هو شهي من الاطعمة دون اعتبار للصحة أو الوزن. وقد انقلبت عليه هذه الهواية، وزاد وزنه الي درجة أصابته بأمراض كثيرة، وكان رحمه الله يحمل في صدره قلبا طيبا، ويتميز بروح مرحة وكان المسئول الذي يشرف علي إعداد هذه الولائم، وكان معظمها من محل زكي السماك الشهير الكائن بجوار كوبري أبوالعلا، وكان عبدالمنعم نجل الحاج زكي وهو خريج التجارة من عشاق الاخبار. وعلي صلة قوية بمعظم محرريها، فكان يضاعف كمية ما يطلبه الزميل فاروق الشاذلي من الاسماك، فإذا طلب مثلا اربعة كيلو زادهم الي ستة أو أكثر ويضع فوقهم حفنة كبيرة من الجمبري علي سبيل المحبة!. وكانت هذه الكمية من أنواع السمك المختلفة توضع علي احد المكاتب ونلتف جميعا حولها ونتناولها في نهم شديد، فالساعة تكون قد تجاوزت الواحدة صباحا. ولم يتناول احدنا طعاما منذ وجبة الغداء. فالعمل الدائب في حب وأخوة ومودة كان يلهينا عن بطوننا وعن اي لذة اخري في الدنيا. ذكرياتي مع معشوقتي! أكتب هذا الكلام بمناسبة مرور ستين عاما في 15 يونيو القادم علي صدور العدد الاول من جريدة الأخبار واذا أردت الاستفاضة عن الذكريات الجميلة التي عشتها منذ عملي بالاخبار حتي الان لاحتجت الي مئات الصفحات، ولكني أعد القراء الاعزاء ان أعود اليهم مرة اخري، لأصف لهم ما كان يدور من احداث خطيرة وطرائف ضاحكة ومقالب في صالة التحرير التي اصبحت منذ اليوم الاول لدخولي لها- وأنا في مقتبل العمر- والتعرف علي اقطابها من مشاهير الصحافة، معشوقتي التي اذا جلست فيها أنسي كل ما في الدنيا من قلق وهموم وأحزان. الان يبقي ان أنوه عن جريدة الاخبار الان وبعد ان حدث فيها هذا الانقلاب الكبير في التطوير والتبويب، وما استحدث فيها من وسائل جذابة لعرض الاخبار المهمة والخطيرة بطريقة تريح القاريء وتجعله يقرأ كل كلمة فيها وهو مسترخي الاعصاب مغمور بالسعادة، يتابع ما يهمه من أخبار واحداث في نهم وشغف. عبقرية القيادات الشابة! وهذا الانقلاب الكبير الذي حدث في جريدة الاخبار كان الفضل فيه لعبقرية الزميل العزيز ياسر رزق رئيس تحريرها الشاب، الذي بذل من الجهد والعمل المضني ما هو فوق طاقة البشر، حتي تصل الاخبار الي قرائها في عز شبابها رغم انها في سن الستين وفي ثوب جديد متميز، يجعل من يقرأها لا يمكنه الاستغناء عنها.. وهذا النجاح الذي يتوج اصدارات دار اخبار اليوم يرجع الي روح الفريق التي تميزت بها الدار علي مر سنوات طويلة مضت، وأرسي مبادئها مصطفي امين وعلي امين، الجميع يعملون كفريق واحد لا فرق بين عامل أو محرر أو رئيس تحرير أو رئيس مجلس ادارة، الكل في العمل اخوة واخوات يجتمعون علي الولاء والاخلاص لعملهم. ولا يخفي علي احد ان دماء الشباب التي تسري في عروق قيادات دار أخبار اليوم الآن لها فضل كبير في هذا التقدم الذي نلمسه، رئيس مجلس الادارة محمد الهواري صحفي واداري متميز من الشباب، ياسر رزق رئيس تحرير الاخبار كاتب وصحفي قدير وصاحب قلم جريء من الشباب، السيد النجار رئيس تحرير أخبار اليوم من الشباب صحفي وكاتب قدير وعقله يمتليء بالمشروعات الجديدة سيفاجيء بها الوسط الصحفي قريبا.. كل هؤلاء عوامل نجاح تسير بدار أخبار اليوم نحو التقدم المستمر، والصعود بثقة نحو القمة.