د. سعاد الشرقاوى موضوع القانون الدستوري هو وضع الظواهر السياسية بمفهومها الواسع في إطارات قانونية . ويهدف الدستور إلي تحقيق التوفيق بين الأفراد والسلطة. لذا يعني بوضع إعلان رسمي للحقوق والحريات والواجبات إلي جانب تنظيم سلطات الدولة وضمان استقلالها لتؤدي عملها للمصلحة العامة دون الخضوع لضغوط أو اغراءات . وسنركز علي معايير ثلاثة أساسية يشترط توافرها في أعضاء الجمعية ثم نعرض لأسلوب الترشيح والانتخاب . المعايير الثلاثة : الكفاءة المهنية والحياد والتفرغ الكفاءة المهنية : صناعة الدساتير مثل أي صناعة تحتاج إلي كفاءة مهنية . وعناصر هذه الكفاءة هي القدرة علي صياغة نصوص دستورية . وتستلزم إطلاعاً علي الدساتير ومعرفة التاريخ السياسي وأسباب فشل الدساتير وعوامل نجاحها، كما تتطلب معرفة الفلسفة التي أدت إلي صياغة الدساتير ، أضف إلي توافر النظرة الشاملة للقضايا العامة علي المستوي المحلي والقومي . بالإضافة إلي معرفة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان . وهذه المؤهلات لا يكفي فيها الحصول علي درجة علمية ، وإنما يتعين فوق ذلك ملكات وممارسات وأعمال تثبت أن عضو اللجنة قادر علي الإضطلاع بهذه المهمة . علماً بأن القدرة علي صياغة نصوص القانون المدني أو الجنائي قد لا تكون كافية في مجال القانون الدستوري لاختلاف منهج وضع الدستور وهدفه وفلسفته عن منهج أي فرع من فروع القانون . الحياد والموضوعية والتجرد : يشترط فيمن يتم اختياره أن يكون مشهودا له بالحياد والموضوعية يغلب المصلحة العامة علي المصالح الخاصة ، كما يشترط ألا يكون منحازاً لسلطة علي حساب السلطات الأخري . ويفضل استبعاد رموز النظام السابق بالمعني الواسع ، حتي لا يأتي الدستور الجديد مستنسخا من الدساتير السابقة التي قامت علي تركيز السلطة وتدرجها ودمجها فأنتجت الفساد والاستبداد . وأقترح ألا يكون عضو الجمعية التأسيسية عضواً في البرلمان بمجلسه ، أو أحد أعضاء السلطة القضائية أو الحكومة بمعناها الضيق أي مجلس الوزراء . التفرغ : لما كانت عملية صياغة دستور جديد تتسم بالدقة ، ويجب أن يكون لكل كلمة معناها، ولكل نص فلسفته ، ولكل فصل منهجية وترتيبا، كما يجب مراجعة الدستور مراجعة شاملة حتي لا تتضارب نصوصه . فإننا نقترح أن يتفرغ واضعو الدستور لهذه المهمة الشاقة . وهذا التفرغ يعني عدم الجمع بين عضوية الجمعية التأسيسية وأي عمل آخر حكومي أو عمل مهني أو عمل تجاري ، طيلة فترة وضع الدستور. وإلي جانب هذا التفرغ المؤقت يلزم عدم اتخاذ العضوية في الجمعية التأسيسية سبيلا للوصول إلي مناصب سياسية . ومعني هذا اشتراط ألا يتولي أي عضو من أعضاء الجمعية التأسيسية منصباً سياسياً داخل البلاد علي مدي السنوات الثلاث التالية لوضع الدستور . آلية اختيار أعضاء الجمعية نقترح إعلان شروط الترشح وأن تأتي الترشيحات من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والجامعات والنقابات المهنية والعمالية مشفوعة بالسيرة الذاتية للمرشحين وسابقة أعمالهم وإنجازاتهم ومؤلفاتهم إن وجدت . بعد حصر المرشحين الذين تتوافر فيهم الشروط يتم التصويت من المجمع المكون من أعضاء مجلسي الشعب والشوري غير المعينين ويفوز بعضوية الجمعية التأسيسية المائة شخص الحاصلين علي أعلي الأصوات . لما كان التوافق هو أساس صناعة الدساتير فإنه يحتاج إلي فريق عمل يتكلم لغة واحدة هي لغة مصلحة الوطن .. وأن تكون المرونة والقدرة علي التوفيق بين الآراء المختلفة سمة أساسية في أعضاء التأسيسية . إن العمل بالتأسيسية عمل فكري وجهد توفيقي واستشراف للمستقبل وعملية صياغة قانونية دقيقة فهو تكليف بعمل شاق وليس غنيمة أو تشريفا كما قد يتصور البعض . وفقنا الله وإياكم في اختيار أفضل السبل وأحسن العناصر للقيام بهذا العمل الذي سيسجله التاريخ إما سلباً وإما إيجاباً .