وصلت مصر إلي أزمة دستورية بمعني الكلمة، باختيار أعضاء اللجنة التأسيسية علي أسس غير سليمة وللخروج من المأزق يجتهد كل ناشط بالوسائل المتاحة له للتنبيه إلي حجم الأزمة وتقديم حلول. وسنحاول تشخيص أسباب الأزمة. أي أزمة تعني الوصول إلي طريق مسدود. وبداية الحل هو قبول الرجوع عن الطريق الذي أوصلنا إلي الأزمة. الدساتير توضع بواسطة متخصصين محايدين بعيدين عن المطامع السياسية. ويجب أن يكون أعضاء الجمعية التأسيسية أو اللجنة التأسيسية لهم إسهام سابق في مجال التأسيس وفكر ومنهج وقدرة علي الصياغة ومعرفة متراكمة عن الماضي ورؤية للمستقبل. وقد أغفلنا وضع شروط الترشح لعضوية الجمعية التأسيسية، ومن واجبنا إذا أردنا أن ننجح في وضع الدستور إصدار نصوص قانونية تفصل شروط الترشح والعضوية فيمن سيضع الدستور. اللجنة التأسيسية تؤسس السلطات وتحدد كيفية تشكيلها واختصاصاتها؛ ومن ثم يجب ألا تكون منبثقة من إحدي السلطات أو تنفرد بها سلطة من السلطات الخاضعة للدستور، حتي نضمن ألا ينحاز الدستور لسلطة علي حساب السلطات الأخري. الدستور يتناول سرد وضمان الحريات العامة الشخصية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم لا يجب أن ينفرد فصيل يميني أو يساري بوضع الحريات التي يضمنها ويؤكد التمسك بها المجتمع. الدستور يضع مقومات المجتمع ولا يجب أن يفضل التيارات المحافظة أو المتحررة ومن ثم يجب أن تمثيل كل التيارات بحيث يخدم حق الجميع في الحياة بالأسلوب الذي تنشده ولما كانت في مصر أقليات دينية فإن حقوقها يجب تكون محترمة ومساوية لحقوق الأغلبية. أساليب عمل الجمعيات التأسيسية تقوم علي وضع نصوص مدروسة متوافق عليها. ولا يتم إقرار أي نص إلا إذا وقع التوافق عليه من جميع أعضاء الجمعية. وهنا تكمن صعوبة ومشقة العمل علي صياغة النصوص علي نحو توافقي. ومعني ذلك أنه يجب أن يكون التصويت علي كل مادة علي حدة وأن يكون إقرار كل مادة بالإجماع. فنحن لسنا بصدد تشريع عادي أو أساسي . عندما يصدر أي دستور يضع المبادئ العامة، ويترك التفصيلات للقوانين المكملة للدستور، التي تضع التفاصيل والشروط والإجراءات الواجب إتباعها. علي سبيل المثال سقط دستور سنة 1971 بقيام الثورة وسقطت معه كل القوانين المكملة للدستور. وعندما تم إقرار التعديلات الدستورية بالاستفتاء في مارس 2011 ثم صدر الإعلان الدستوري كان من الواجب استكماله بالقوانين الأساسية المكملة للدستور لأن قوانين انتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان وغيرها من القوانين الأساسية لم تعد تصلح بعد سقوط الدستور. والدليل علي ذلك أن قانون انتخاب رئيس الجمهورية لم يتضمن أي شروط متعلقة بالكفاءة والإنجازات واشتراط حصول المرشح علي درجة علمية والنزاهة. مما جعل عدد المرشحين يصل إلي أكثر من 1000 وهو مشهد غير عقلاني بسبب عدم وضع الشروط المؤهلة للترشح. وغياب قانون أساسي جديد ينظم شروط الترشح علي ضوء سقوط دستور 1971 سيؤدي إلي إثارة شكوك حول مصداقية وجدية انتخابات الرئاسة مع ما تؤدي إليه من اضطرابات. أما بصدد تشكيل اللجنة التأسيسية فالمطلوب هو إصدار تعديل يفصل نص المادة 60 تكون أهم سماته: أن يتم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية من الكفاءات المتخصصة في صياغة الدساتير. ويشترط عدم انتمائهم إلي البرلمان أو القضاء أو الحكومة بمعناها الضيق. ويشترط ألا يتولوا أي مناصب في الدولة لمدة عشر سنوات. إما إجراءات عملها فيجب تفصيلها بأن يكون العمل قائما علي أساس التوافق وعند الاختلاف تعاد المداولات حتي يكون النص محل اتفاق الجميع. وسنضرب مثالا بأحد الأمور الدقيقة إذا لم يتم التوافق علي أن الدولة مدنية تحذف كلمة مدنية. إذا لم يتم التوافق علي أن الدولة إسلامية تحذف كلمة إسلامية....وهكذا.... إن إصرار فصيل علي احتكار وضع الدستور أدي إلي وجود بأصوات تنادي بوضع دستور آخر يراعي الفصائل الأخري. وهنا مكمن الحظر وبداية الانقسام تمهيداً لتقسيم الدولة. وكلنا متفقون علي وحدة مصر لأن وحدتها هي سر بقائها وقوتها وصمودها عبر التاريخ. إن المخاطر الناتجة عن عدم صدور قوانين أساسية تفصل شروط إجراءات تشكيل المؤسسات الجديدة مخاطرة عديدة وتنبئ بحدوث اضطرابات بل وتهدد وحدة الدولة. الخبرات القانونية متوفرة ومستعدة لأداء مهمتها حيث أن المهمة شاقة لأن المنظومة التشريعية برمتها بحاجة إلي مراجعة لبناء دولة حديثة علي أسس قويمة تسد الثغرات الكثيرة الموجودة في المنظومة الحالية.