قال الدكتور سعد الكتاتني.. وهو يتهادي في مشيته.. نحو السيارة المرسيدس.. ان العزل السياسي سيطبق علي كل من ينطبق عليه.. وعلي رأسهم شيخ الأزهر.. وهي سابقة لم يقدم عليها اللورد كرومر.. في عنفوان الاحتلال البريطاني.. عندما كان الرجل.. من فرط الأدب والاحترام يخلع حذاءيه ويمشي في الأزهر حتي يبلغ مكتب شيخ الأزهر. فيلثم يده، ويظل واقفا إلي أن يأذن له بالجلوس! الآن تغير الحال وسبحان مغير الأحوال ومبدل الأزمان وجاء الكتاتني.. مهددا بعزل الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.. بعد وضعه في زمرة الساسة من أمثاله.. وليحط من شأن الأزهر ارفع رموز الإسلام في العالم.. وليلوث رداء الشرف والعزة والكرامة.. الذي ظهرت به مصرنا الغالية في كل ربوع العالم.. لمئات السنين. الأزهر الشريف ليس مؤسسة سياسية.. ولا حزبا ولا وسيلة للرزق. وتحقيق الغني الواسع والمال الجم... واتساع الشهرة بين الناس.. وإنما هو موقع زهد في الحياة الدنيا.. وشيخه هو قدوة بعمله لا بقوله فحسب، والقدوة العملية تترك في النفوس اثرا صالحا.. وتؤثر فيها مالا تؤثره الأقوال. والأزهر الشريف رمز.. يعتز به كل مسلم في ارجاء الكرة الأرضية وليس في مصرنا الغالية فحسب.. ولذلك فقد كان الأزهر الشريف علي مر تاريخه هو »أبوالثورات«.. وهو الدرع التي تصدت للغزاة.. ووقف إلي جانب الشعوب.. والكرامة الوطنية.. وطوال هذا التاريخ المجيد للأزهر.. باعتباره منارة العلم والحضارة ومواكبة العصر والاعتدال والوسطية.. لم يتعرض الأزهر الشريف لحملات الافتراء والتجريح والتهوين من قدره ومكانته.. كما يحدث له الآن علي أيدي وافواه وحناجر... جماعات الإسلام السياسي التي تصدرت المشهد الثوري.. فجأة.. واشاعت الفرقة بين أبناء الأمة.. واحتكرت جميع السلطات ووزعت المناصب والمواقع علي أتباعها.. في غوغائية لم تعرفها مصر في تاريخها الحديث.. وعندما يتجاوز الدكتور الكتاتني حدود اللياقة.. ويعلن أن سلطاته تتضمن امكانية عزل الإمام الأكبر.. ضمن فلول النظام الإجرامي البائد.. فهو في الواقع لا يعبر عن رأيه الشخصي.. ولا عن قناعته الذاتية، وإنما هو يتحدث بلسان صاحب السمع والطاعة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي يسعي للاطاحة بأرباب القمم العالية.. وأصحاب الشموخ والزهد.. كي تصبح قامته هي أعلي قمة في العالم الإسلامي.. ويصبح المقطم.. هو رمز الإسلام.. وليس الأزهر الشريف! قامة الأزهر الشريف.. تقلق قصار القامة في المقطم.. الذين يتصورون ان القضاء علي قمم الجبال الشاهقة الارتفاع.. سوف تحول أكوام الرمال علي الأرض لقمم فريدة.. ووجد فضيلة المرشد العام.. الذي يسعي لاحتكار الحديث عن الإسلام.. في الأزهر الشريف منافسا له، ولرجاله الذين يتحركون باشارة من طرف عينيه.. ووجد في الأزهر خصما.. لابد من الاطاحة به.. وان يكون تعيين الإمام الأكبر.. من بين سلطات المرشد العام.. الذي يختار لجنة العلماء التي تقع علي كاهلها مسئولية انتخاب الإمام الأكبر.. ووجد المرشد العام ببساطة.. أنه لن تستقر له أمور إدارة شئون البلاد منفردا.. إلا بالاطاحة بالإمام الأكبر.. وبمفتي الجمهورية.. حتي يتسني له الانفراد بتحديد كل قضايا الحلال والحرام.. والعلاقات مع خالد مشعل وجماعة حماس.. ومع الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين.. كي يمسك جميع خطوط الإسلام في الداخل والخارج بحيث يدخل التاريخ باعتباره مرشداً.. »ماجابتوش ولادة«!. وكان المرشد العام يري.. باختصار شديد انه لن يتسني لجماعة الإخوان وضع ركائز الدولة الدينية.. تحت زعامته.. مع وجود الأزهر الشريف بأوضاعه الحالية.. وبالتالي كان يتعين علي الجماعة الاطاحة بالإمام الأكبر الحالي الشيخ أحمد الطيب.. ومعه فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة.. بحيث يستطيع المرشد العام اختيار اثنين من رجاله ممن يلثمون رأسه عند السلام.. كي يشغلا الموقعين ويدينا له بالفضل.. ويمتدحا حكمته وبعد نظره.. قعودا وقياما.. وعلي جنوبهم. وكانت الفكرة ببساطة تري أن الدولة »الدينية« في مصر لا تحتمل وجود الأزهر. بكل ما يمثله في وجدان المصريين.. وأن دولة الإخوان لا تقوم الا علي مرجعية دينية واحدة.. تلتزم بثقافة »السمع والطاعة«.. وفق ما يصدر في المقطم من فتاوي.. وكان من الواضح ان قمة الغضب الإخواني في المقطم قد بلغ مداه.. بعد أن أصدر الإمام الأكبر ما يسمي »بوثيقة الأزهر« التي التقت بأفكار عدد كبير من المثقفين والنجوم من رجال الدين أصحاب الخبرة والرأي السديد. المشهود لهم بالاعتدال وحسن السمعة.. كانت استجابة هذا العدد الكبير من المثقفين لدعوة الإمام الأكبر دون العودة والتشاور مع المرشد العام.. مثار غضب جماعة المقطم الذين شنوا الحملة الشعواء علي الوثيقة.. واتهموا الإمام الأكبر بأنه تجاهل حقوق البهائيين في البند السادس من الوثيقة التي تنص علي تأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث.. ويبدو أن الأزهر الشريف. قد آثر السلامة.. ايامها.. وفضل الإبقاء علي تاريخ الأزهر وهيبته ودوره التاريخي في الحفاظ علي وحدة المسلمين.. إلا أن مخطط الاطاحة بالأزهر ظل علي قمة أولويات فكر الجماعة بالمقطم.. ودارت الأيام إلي أن حانت فرصة الانقضاض الكاسح اثر زيارة مفتي الديار المصرية للقدس والمسجد الأقصي.. وأداء الصلاة هناك! وقال قائل من أهلهم: كيف يجرؤ هذا الشيخ علي أن يخدش كرامتنا.. ولا يستأذننا.. ونحن نحكم هذا البلد.. وندير شئونه من تحت »القبة المنورة«.. ونحن عصبة! وبدت ردود الفعل لزيارة الشيخ علي جمعة للقدس.. أكبر كثيرا من الحدث نفسه.. وتجاوزت كل أصول وآداب التخاطب مع فضيلة المفتي.. والتلميح في توجيه السباب للإمام الأكبر. وفي الجلسة التي عقدها البرلمان.. لبحث هذه القضية التي جعلت الأرض تزلزل زلزالها جلس الدكتور الكتاتني علي كرسيه تحت القبة المنورة.. كالجالس علي عرش بلقيس.. يتلذذ بالاتهامات الجارحة ضد فضيلة المفتي. البعض يطالب بمحاكمته.. والبعض الآخر بعزله.. ووقف رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب يصف الزيارة بأنها تطبيع مع إسرائيل!! ووصف الأمين العام المساعد لحزب الحرية والعدالة الزيارة بأنها كارثة!! والحقيقة أن الجلسة التي عقدها مجلس الشعب لبحث زيارة فضيلة المفتي للأراضي الإسلامية في القدس.. لم تكن في واقع الأمر تستهدف الشيخ علي جمعة بقدر ما كانت تستهدف فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب.. والنيل من قدر الأزهر الشريف ودار الإفتاء.. وكل ما يمت لإسلام الاعتدال بصلة. لقد كان الهدف هو الاطاحة بالقمم العالية ليتسني القضاء علي الأزهر كمؤسسة تعبر عن الوسطية والاعتدال والزهد.. والوقوف إلي جانب الشعوب الإسلامية في مواجهة تيارات التخريب والترويج لثقافة الصحراء.. كان الهدف هو الاطاحة بالإسلام المعتدل.. الوطني.. الذي يتعامل مع منجزات ثورة العلم والتكنولوجيا.. ولا يروج لمضاجعة الزوج لزوجته خلال ثلاث ساعات من وفاتها!! والمعركة لا تزال محتدمة.. ليس بين الأزهر الشريف وتيارات التخلف والجهل وثقافة الصحراء.. وانما هي معركة كل مسلم وكل مواطن يعيش علي أرض مصر.. ونحن علي ثقة بأن الله سوف ينصرنا.. وسوف ينتصر إسلام الاعتدال والزهد بوقوف ملايين المصريين للدفاع عن الأزهر لسبب بسيط هو ان: الأزهر.. هو الأمل!