محمد وجدى قنديل هل وقف تصدير الغاز من جانب مصر لإسرائيل: قرار سياسي أم نزاع تجاري؟ وهل الإعلان عن إلغاء اتفاق تصدير الغاز المصري السائد منذ سنوات ينطوي علي خلافات بين البلدين؟ وإلي أي مدي يمكن ان ينعكس ذلك علي مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية وعلي اتفاقية السلام؟ الحقيقة الأولية التي يجب تفهمها أن ما حدث ليس قراراً سياسياً وإنما هو نزاع تجاري بين شركة الغاز المصرية وبين شركة شرق البحر المتوسط وخاص بالغاز الطبيعي الذي يتم ضخه إلي إسرائيل عبر خط شمال سيناء وذلك النزاع نتيجة إخلال ببنود الاتفاق من جانب الشركة التي تمثل الجانب الإسرائيلي، وكما يقضي العقد المبرم بين الشركتين فإن عدم الانتظام في سداد المستحقات مقابل تصدير الغاز علي مدي اربعة شهور يعطي الحق في فسخ العقد من جانب واحد.. وهو أمر يحدث في نطاق التعامل التجاري بين الشركة المصرية وشركة شرق البحر المتوسط ومن حق اي شركة أن تحافظ علي حقوقها المالية في حالة تأخر الطرف الآخر عن سداد المستحقات ولذا يجب معالجة الأمر في هذا الاطار حتي لا يحدث خلط للأوراق وتتداخل الأمور التجارية مع السياسية! ومن وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية ان اتفاق تصدير الغاز بين مصر وإسرائيل لم يلغ لأن هناك نزاعا قضائيا بين الشركات المصرية والإسرائيلية ولم يتم حله بعد وان ما حدث لا صلة له بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.. ولكن وزير المالية الإسرائيلي شتاينتز يري ان القرار المصري سابقة خطيرة تلقي بظلال علي اتفاقية السلام والمناخ السلمي، وبينما الواقع انه خلاف تجاري بحت ولا يعبر عن نوايا معينة من جانب مصر. وأتوقف أمام موقف ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي بأن إلغاء إتفاق تصدير الغاز بصورة أحادية الجانب »مؤشر لا يبشر بالخير« لكنه قال: نريد أن نفهمه كنزاع تجاري وأعتقد ان تحويله إلي نزاع دبلوماسي سيكون خطأ! إن اتفاق تصدير الغاز لم يكن جزءاً من اتفاقية السلام، ولكنه اتفاق تجاري مهم وكان دليلا علي العلاقات المستقرة بين مصر وإسرائيل! والواضح ان هذا القرار من جانب الشركة المصرية لم يكن مفاجئا لإسرائيل، وأنها كانت تتوقع صدوره ولكنها كانت تجهل توقيته.. فقد كانت هناك توقعات بأن مصر ستتخذ ذلك القرار بعد توقف »شركة شرق المتوسط« عن دفع المستحقات المتأخرة لديها، وبحجة انقطاع ضخ الغاز الموصل إلي إسرائيل 41 مرة بسبب التفجيرات في العريش وغيرها من جانب مسلحين مجهولين.. ولذلك توقعت اسرائيل ان القرار المصري ربما يهدف إلي الضغط علي الشركات المتصلة بالطرف الإسرائيلي من إقامة دعوي قضائية والمطالبة بتعويض ثمانية مليارات دولار عن الاضرار الناجمة بسبب انقطاع الضخ المنتظم للغاز نتيجة هذه التفجيرات! وقد أوضحت فايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي أن الحكومة المصرية ليس لها أي دخل بوقف تصدير الغاز إلي إسرئيل واكدت انه نزاع تجاري بين شركات ولا يحكمه اعتبارات سياسية ولذلك يعتبر العقد مفسوخا لعدم سداد الطرف الآخر لإلتزاماته المالية! وجوهر القضية - إذن - عدم التزام شركة شرق المتوسط ببنود التعاقد بدعوي عدم انتظام ضخ الغاز وعلي خلفية التفجيرات المتلاحقة لخط الغاز في شمال سيناء، وقامت شركة امبال أمريكان اسرائيل وشركة شرق المتوسط برفع دعاوي قضائية أمام التحكيم الدولي، وكانت الشركة »المصرية« القابضة للغازات علي يقين من رد فعل هذه الشركات، وأنها لن تتخذ هذا القرار إلا إذا كانت علي يقين من سلامة موقفها.. وأتمني أن تكون قد اتخذت احتياطاتها القانونية حتي تتجنب دفع تعويضات بالمليارات في قضية التحكيم. وحسب ما قال المهندس محمد شعيب رئس الشركة القابضة للغازات: إستمرار تصدير الغاز للدول الملتزمة باتفاقيات وعقود مع الشركة وفق خطة التصدير المتبعة وهو ما يحدث مع الأردن بالفعل.. وأما ما تدعيه شركة شرق المتوسط من سدادها قيمة الغاز المصدر إليها فإنه غير صحيح وأن عليها إظهار فواتير السداد! وبنظرة علي تداعيات القرار في الجانب الآخر فإن المصادر الإسرائيلية تتوقع ألا يؤثر ذلك علي أسعار الكهرباء في اسرائيل ورغم ان تل أبيب تعتمد علي الغاز المصري بنسبة 04 في المائة في احتياجاتها وأن اسرائيل بدأت بالفعل في إيجاد بدائل عن الغاز المصري منذ الهجمات علي خطوط الضخ! وقد توصلت إسرائيل مؤخرا إلي ثلاثة اكتشافات بحرية لحقول من الغاز الطبيعي ستمكنها من الاكتفاء الذتي والتصدير خلال السنوات الثلاث القادمة، وحصل حقل تاما للغاز في البحر المتوسط - قبالة السواحل الاسرائيلي - علي قروض ب902 ملايين دولار وبحيث يتم تشغيله في منتصف العام القادم ليصبح المصدر الرئيسي للغاز! وكما يبدو فإن هناك مؤشرات لحل النزاع التجاري ومن خلال ما قالته فايزة أبوالنجا: أن الحكومة المصرية ليس لديها مانع من عمل إتفاق جديد وعقد جديد مع إسرائيل لتصدير الغاز. ونحن مستعدون للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي بأسعار وشروط جديدة! وبصرف النظر عن السبب في النزاع فإنه لا يمكن تجاهل رد الفعل الشعبي تجاه هذا القرار والشعور العام بالارتياح لتصحيح هذه الاتفاقية التي تمت في ظروف غامضة وبأسعار متدنية وشابها الفساد من جانب شركة شرق المتوسط التي كان حسين سالم يساهم فيها بنصيب كبير ولكنه باع معظمه لشركاء آخرين!