د. محمد الدمرداش - وكىل مجلس الدولة الشيخ أحمد النقيب أحد مشايخ السلفية المرموقين، يتميز حديثه بالهدوء والروية وعدم ارتفاع الصوت والصياح المزعج كحال بعض مشايخ السلفية ورموزهم. وللرجل شعبية طاغية لدي جمهور عريض. وقد انتشر له في الأيام الماضية علي شبكات التواصل الاجتماعي فيديو مسجل يسأل فيه عن الحال لو خرج الجمهور علي الإسلاميين وطالبوا بإسقاط حكمهم بعد تمكنهم، فما الحل في رأيه؟ فرأي فضيلته أن من يخرج هاتفًا بإسقاط الشريعة فلا بد من قتله وسحقه كفعل الإمام علي مع الخوارج، وذلك بشرط أن تراعي الضوابط الشرعية وبما لا يخالف شرع الله عز وجل. . ولي عند الشيخ الجليل، الحريص علي عدم مخالفة شرع الله، أسئلة عدة، أولها: أي شرع هذا الذي سيسحق من يطلب إسقاطه؟ هل هو شرع الله بفهم وتحقيق شيوخ السلفية وإضرابهم، أم بفهم علماء الإخوان وفقهائهم، أم بفتوي عمائم الأزهر الشريف ومجتهديه، أم برأي علماء الشريعة غير المعممين؟ وكل فصيل من هؤلاء له فهمه وله معينه الذي يصدر منه. ثم يكون لزامًا علينا، ما دام أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو المستدل بفعله والمقتفي أثره في فتوي الشيخ النقيب، أن نسأل: هل في علمائنا قاطبة من يملك ناصية الحق ووجه الحقيقة كعلي بن أبي طالب؟ وهو الذي قال فيه الحبيب محمد صلي الله عليه وآله وسلم: »علي مع الحق والحق مع علي«. رواه الترمذي والحاكم. وهل نهض الإمام علي بقتال الخوارج كما يقول الشيخ النقيب لخلافهم معه في الرأي أو لخروجهم علي خلافته؟ فمن المعلوم لمبتدئ البحث في التاريخ أن الإمام لم يبتدر الخوارج بقتال لخلافهم معه في الرأي، بل تركهم حتي أغرتهم شياطينهم بأن يعيثوا في الأرض فسادًا وسفكًا للدماء، وقد لقوا التابعي عبد الله بن خباب بن الأرت، وهو من أبناء الصحابة، قريبًا من النهروان فعرفهم بنفسه فسألوه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فأثني خيرًا، ثم سألوه عن عثمان في أول خلافته وآخرها.. فقال كان محقًّا في أول خلافته وآخرها.. فسألوه عن علي قبل التحكيم وبعده.. فقال: »هو أعلم بالله وأشد توقيًا علي دينه«؟ فقالوا: »إنك توالي الرجال علي أسمائها«؟ ثم ذبحوه وبقروا بطن إمرأته وكانت حاملاً، ثم قتلوا ثلاث نسوة من قبيلة طي. فغضب الإمام علي وبعث إليهم رسولاً لينظر فيما بلغه، فقتلوا رسول الإمام إليهم.. فقال أصحاب علي: »كيف ندع هؤلاء ونأمن غائلتهم في أموالنا وعيالنا ونذهب للشام؟«.. فمدّ الإمام لهم حبل الصبر حتي آخره وبعث إليهم يقول: »ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم فنكف عنكم حتي نلقي أهل الغرب (يعني أهل الشام)، لعل الله يردكم في خير«. فقالوا: »كلنا قتلهم، وكلنا مستحل دماؤهم ودماؤكم«! فأرسل إليهم الإمام علي الصحابي الجليل أبا أيوب الأنصاري ومعه قيس بن سعد بن عبادة، فوعظاهم ثم جاء إليهم الإمام علي وقال: »نحن علي الأمر الأول«؟ فقالوا: »إنا كفرنا بالتحكيم وقد تبنا، فإن تبت أنت فنحن معك، وإن أبيت نابذناك«. فقال: »كيف أحكم علي نفسي بالكفر بعد إيماني وهجرتي؟ لكم علينا أن لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، وأن لا نمنعكم الفيء، وأن لا نبدأكم بقتال«. وانصرف عنهم ولم يأمر بقتال. ولكن أمر برفع لواء لأبي أيوب الأنصاري وأمره أن يعلن أن من انصرف إلي المدائن أو الكوفة أو انحاز إليه فهو آمن، فاعتزل بعضهم، بل انصرف معظمهم ولم يبقَ إلا ألف يتنمرون للقتال.. فمد الإمام لهم حبل الصبر وقال لأصحابه: »كفوا عنهم«؟حتي استفزهم الشيطان فبدأوا الهجوم علي جيش الإمام علي، فهنا -وهنا فقط- أمر الإمام بقتالهم وقتل معظم الخوارج، أما الجرحي فقد سلمهم إلي قبائلهم لمداواتهم.. إنه لمن النادر في أي عصر، بما في ذلك العصر الحديث، أن نجد مثل هذه الطريقة في التعامل مع فريق متمرد خارج علي الدولة.. ففي كل خطوة اتخذها الخوارج كان الرد عند الكثير مقاتلتهم دون هوادة. ولكن علي بن أبي طالب تقبل ثلاثة أوضاع لا يتصور أن يتقبلها أي حاكم من مثل الخوارج: أن لا يمنعهم المساجد، وهي وقتئذ ساحة لقاء الجماهير بعضهم ببعض. - أن لا يمنعهم الفيء ما دامت أيديهم معه. - أن لا يبدأهم بقتال حتي يكونوا هم البادئين. ولو اقتصر الخوارج علي التجمع والتكتل متمسكين بسلاحهم ومنتخبين أمراءهم لما بدأهم الإمام علي بقتال، لأن القتال إنما كان بعد أن بدأوا القتل، أما لو لم يفعلوا هذا فإن سياسة الإمام علي بن أبي طالب كانت تسمح بوجودهم وتتسع لنشاط سلمي معارض أشد المعارضة حتي يصل إلي اتهامه بالكفر، وباليقين جميع المسلمين يدينون لله أن الإمام علي من ذلك براء. ثم يختم الإمام سياسته قبل الخوارج بحكمه: »لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه«. هذا هو منهج الإمام علي بن أبي طالب الذي كان يملك ناصية الحق بلا مراء أو شبهة في معاملة معارضيه والخارجين عليه. وبذلك يكون استشهاد الشيخ النقيب بسياسة الإمام مع الخوارج لا تخدم مبتغاه ومراده في سحق من يهتف بسقوطهم. وختامًا، يا ليت الشيخ الجليل وأضرابه من شيوخ السلفية يتعاملون مع مخالفيهم تعامل علي مع الخوارج.