الريف في الماضي كان مليئا بالخير.. أذكر في سنوات طفولتي في القرية ان جميع انواع الخضراوات كانت متاحة للجميع ومجانا كان الفلاح المصري بما عرف عنه من فهم عميق للارض توارثه عبر الاجيال يستغل كل سنتيمتر من ارضه، وكانت المساحة الصغيرة بالنسبة للفلاح البسيط وهي لم تمكن تتجاوز القراريط تنتج له كل ما يحتاج اليه فعلاوة علي المحصول الرئيسي في وسط الارض كانت حدود ارضه أو »الشطوط« تزرع بكل انواع الخضراوات الفجل - السريس - الطماطم - الباذنجان - السبانخ - الملوخية - الجرجير - الفاصوليا - البسلة - الجزر - الفلفل« وكانت هذه الخضراوات وهي تحتوي علي افضل مجموعة من الفيتامينات والمعادن تطبخ بأكثر من طريقة ولم يكن الفلاح المصري يحتكر نتاج هذه الخضراوات وانما كان يجود بها ومجانا علي كل من يطلبها منه من الاهل أو من الجيران.. الآن اختفت كل هذه الخضراوات من القرية.. بل واختفت من المدينة هل يتصور انسان ان مصر لا تجد فيها الآن حزمة بصل أخضر أو حزمة فجل.. وهل تتصور ان الفجل ان كنت سعيد الحظ وعثرت علي حزمة فان الحزمة تتكون من فلاش ثلاث لا أكثر وثمنها 05 قرشا هل يتصور احد ذلك.. انه الواقع الذي فوجئت به عندما اشتاقت نفسي الي الفجل - وانت في رمضان تشتاق لاشياء كثيرة.. وتذكرت وانا ارد الحزمة للبائع فقد وجدتها رغم سعرها المرتفع مليئة بالثقوب مما يدل علي ان الحشرات قد سبقت وشبعت منها اقول تذكرت الشاعر العبقري العظيم بيرم التونسي عندما مر بنفس التجربة وتذكرت ما قاله في ذلك: يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم للمجلس البلدي كأن أمي بل الله طوبتها أوصت فقالت اخوك المجلس البلدي المرحوم الشاعر العظيم ينعي الغلاء الذي رفع ثمن الفجلة لمليم ولست أدري ماذا كان يمكن ان يقول اليوم وهو يري ثمن الفجلة وقد قفز الي 051 مليما.. لقد كان الريف المصري بستانا يجود بالكثير حتي جاء عباقرة وزارة الزراعة - حسبي الله - وادخلوا مصر السموم القاتلة التي بدأت بالتوكسافين وانتهت بعد ذلك بالعشرات بل بالمئات من انواع المبيدات التي جعلت الفلاح يعزف عن زراعة أي نوع من انواع الخضراوات وجعلت الانسان يخشي ان يتناول أي شيء مما تنتجه الارض التي كانت معطاء.. ارض النيل اختفي منها الخضار الذي كان حلم بني اسرائيل عندما طلبوا من موسي ان يوفر لهم العدس والبصل والقثاء.. اصبح المواطن المصري اليوم لا يجد ثمرة خس واحدة ولا يجد حزمة بصل ولا يجد حزمة فجل.. اما الملوخية والسبانخ وغيرهما فعليه ان يدخل اي سوبر ماركت وان يشتري المستورد منهما.. فقد جفت الارض وتكاد تجدب وجف عطاء الفلاح المصري واجتاحه التبلد والكسل والرفض بعد ان تحول الي مسخ او لعبة او خيال مآتة يتلاعب به الخبراء العباقرة في وزارة الزراعة.. فالأوامر تنصب علي رأسه ازرع هذا ولا تزرع هذا.. خذ المبيدات من اقرب جمعية.. كره الفلاح الزراعة وبدأ يهجرها فالجيل القديم يكتسحه اليأس والجيل الجديد يبحث عن مهرب الي ايطاليا أو ليبيا ورحم الله الفجل ورحم الله بيرم العظيم ورحم الله الفلاح ورحمنا الله من أشياء كثيرة. ولله الأمر