واصلت أجهزة المخابرات الغربية، والشرقية علي السواء افتتانها باليمين السياسي الإسلامي خلال عقود عديدة سابقة. استمر الافتتان رغم قيام شباب الخومينية بالاستيلاء علي السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 واحتجاز من كان خارجها وداخلها. ورغم احتلال المتمردين للحرم المكي في نفس العام. ورغم الجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم »الجهاد« باغتيال الرئيس أنور السادات في عام 1981 ورغم القنبلة التي فجرها »حزب الله« وقتلت241من جنود المارينز الأمريكيين في بيروت عام 1983 ورغم قيام » حركة حماس« الفلسطينية، في عام 1987، كثقل مواز لمنظمة التحرير الفلسطينية بدعم، ومساندة، وتمويل أجهزة عربية وإسرائيلية (..) وتكون صورة طبق الأصل من جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ويعلق مؤلف كتاب:»عندما تتصادم العوالم« علي هذه التناقضات، وغيرها، فيقول: [أثبت تاريخ العقود الماضية من توظيف الغرب لسيف الإسلام السياسي ذي الحدَّين أن هذا المسار تكتنفه الأخطار، بل ومميت أحياناً. يكفي مثالاً علي ذلك أن الولاياتالمتحدة أيدت وصول »طالبان« إلي السلطة في أفغانستان في التسعينيات وهو التأييد الذي وفّر قاعدة آمنة للعمليات الإرهابية العالمية التي شنها تنظيم »القاعدة« الحليف الأول والأخطر لحكومة طالبان ولم تتنبه واشنطون إلي هول ما فعلته إلاّ بعد هجمات 11سبتمبرمن عام2001 علي نيويورك و واشنطون]. وتأكيداً لمستوي السذاجة السياسية الأمريكية، نقل الكتاب رأياً منسوباً لمسئول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية يسخر فيه من دعم بلاده لحكم »طالبان«، قائلاً: [ ولم العجب؟ فمن المحتمل أن تتطور »طالبان« وتصبح »دولة حليفة«، ويمكن التعامل معها والاعتماد عليها. يحكمها أمير، و برلمان، و جزء كبير من الشريعة، وتحتكر شركاتنا بترولها ومد أنابيبه]. ومن الخطأ الفادح وقعت أمريكا في خطأ أفدح، عندما اضطرت إلي تغيير سياستها من الافتتان بالتطرف الإسلامي، إلي محاربته تحت شعار:»الحرب علي الإرهاب« التي بدأتها في أفغانستان، ثم العراق. الطريف أن المبرر المهم الذي ساقه الرئيس »بوش« الابن لتمرير حربه ضد العراق، كان اسقاط نظام الديكتاتور صدام حسين، ونشر الديمقراطية في أروع صورها داخل العراق. ويقول الباحث الأمريكي»جين هيك« في كتابه المهم :»من المفارقة أن صدام حسين كان معادياً حازماً للأحزاب والحركات الإسلامية، وعارض معارضة تامة لا هوادة فيها أعداء أمريكا الإقليميين المعلنين وأهمهم النظام الخوميني الإيراني، وأتباعه في الدول المجاورة مثل: أحزاب الشيعة في العراق، وحزب الله في لبنان. وها هي الولاياتالمتحدة تعلن الآن سحب قواتها من العراق لتتركه فريسة، مباحا أكلها أمام الجوعي من كل الأحزاب، والحركات، والمنظمات، والتنظيمات: السياسية منها والإرهابية، والغالبية من هذه وتلك هم أكثر المعادين للديمقراطية وأنظمتها الغربية. والأخطر من ذلك أن سياسة أمريكا بحربها الطويلة في العراق قد خلقت موجات متعددة من »الجهاديين الجدد« داخل العديد من دول المنطقة خاصة تلك التي ترتبط بعلاقات قوية و وثيقة مع واشنطون مثل: باكستان، والدول الخليجية، ومصر، ولبنان. وما أكثر المتشائمين بالنظام الذي سيحكم العراق بعد الانسحاب الأمريكي. وكلهم إن اختلفوا علي شيء، فإنهم يجمعون علي استبعاد »الديمقراطية« التي تزعم الولاياتالمتحدة أنها جاءت بها إلي المنطقة، بدءاً من العراق! عن تلك الديمقراطية.. خصص الكاتب، والباحث الأمريكي »جين هيك« صفحات عديدة من كتابه للإجابة عن السؤال الحائر:» هل الديمقراطية الغربية هي الحل ؟«. في البداية يعرّف الكاتب الديمقراطية باستنادها إلي »فكرة أن مواطني الدولة ذوو سيادة ويمارسون سيادتهم من خلال انتخاب ممثليهم. فالناس هم مصدر القانون. والقانون يحفظ بدوره الحقوق التي تحمي رفاه أفراد الدولة ذات السيادة«. وهذا التعريف الصحيح يمثل كما يقول المؤلف تحديات هائلة للحركات والمنظمات الإسلامية. من هذه التحديات علي سبيل المثال ما كتبه المؤرخ الديني:»خالد أبو الفضل« مؤكداً : [إن العديد من الفقهاء المسلمين يقولون إن القانون الذي يضعه ملك أو حاكم ذو سلطان غير جائز شرعاً، لأنه يستعيض عن سلطان الله بالسلطة البشرية. وبالتالي فإن القانون الذي يضعه مواطنو الدولة الديمقراطية سيواجه مشكلة عدم مشروعيته. في الإسلام ، الله هو صاحب السلطان الأوحد، والمصدر المطلق للقانون الشرعي فكيف هكذا يتساءلون يمكن لأي تصوّر ديمقراطي لسلطة البشر أن يتوافق مع الفهم الإسلامي لسلطة الله؟]. كثيرون يردون قائلين: »إنه لا يمكن أن يتوافق«.