من حين لآخر تظهر بيانات احصائية تتحدث عن عمليات اهدار دعم السلع الذي تدفعه خزينة الدولة ويقدر بعشرات المليارات من الجنيهات. لا أحد يوافق علي المساس باحتياجات غير القادرين ومحدودي الدخل للدعم الذي تقدمه الدولة خاصة للسلع المعيشية الضرورية.. ولكن في نفس الوقت فانه لا يمكن لعاقل ان يوافق علي ان يذهب الجانب الاكبر من هذا الدعم إلي غير المستحقين الذين يستخدمونه في زيادة وتضخم ثرواتهم بصورة غير طبيعية. ان ما يحتاج اليه حل هذا اللوغاريتم الغريب هو قرار شجاع يسبقه حملة توعية كاشفة ومقنعة للرأي العام بما يحيط بهذا النظام الفاشل من ظلم للشعب ولموازنة الدولة التي تهدي جزءا من مواردها لفئة من المستغلين والانتهازيين والمتاجرين بقوت هذا الشعب. اعلم يقينا ان هناك مشكلة في عملية تحديد المستحقين للدعم داخل المجتمع المصري الذي يتسم بعدم التنظيم والعشوائية والدخول الطفيلية التي لا تستحق والذي لايقوم جانب غير قليل من ابنائه بدفع حق الدولة فيما يحققه من مكاسب وارباح. ورغم هذا فان التوصل إلي هذا التحديد ليس بالامر المستحيل اذا ما خلصت النيات واستخدمت الدولة كل الامكانات المتاحة لاعداد المجتمع لقبول اي قرار عادل في هذا الشأن. ليس عدلا باي حال من الاحوال أن يتساوي في الحصول علي مليارات الدعم من لا يستحق ومن يستحق.. هل يمكن ان يتصور احد قيمة الفاقد من رغيف العيش الذي يحتاج اليه الفقراء في مصر وما اكثرهم.. ان هذا الرغيف الذي تتاح نسبة منه غير قليلة لهؤلاء الفقراء بخمسة قروش تصل تكلفته إلي ثلاثة أو اربعة اضعاف هذه القيمة.. هذا الفرق الكبير يغري الانتهازيين خبراء اصطياد الثروات غير المشروعة إلي استخدام هذا الرغيف لتغذية غير الآدميين في مزارع تربية الدواجن والمواشي والاسماك. ان قيمة هذا الرغيف لا تساوي سوي ربع أو خمس قيمة العليقة التي تحتاج لها عملية تغذية هذه المصادر البروتينية التي يتم بيعها إلي المواطنين بأسعار باهظة واستغلالية. هذا الذي اقوله ليس جديدا ولكن الجميع يعلمه ويدركه بما في ذلك خبراء الحكومة وقياداتها.. ولكن للأسف فإن أحدا لايجرؤ علي الاقدام علي اي محاولة لوقف هذا السفه وهذه المنظومة الغريبة التي لا مثيل لها في اي دولة بالعالم. ان كل ما تفعله حكوماتنا الرشيدة وقياداتنا الخائفة هو الاكتفاء بمعايرتنا كشعب من وقت لاخر بمليارات الجنيهات التي تخصصها للانفاق علي الدعم الذي تذهب غالبيته إلي جيوب البؤرات الطفيلية في المجتمع وانه لا مانع ولخدمة المصالح المشتركة من ان ينال نصيبا منها بعض ضعاف النفوس في الجهاز الحكومي من المسئولين عن ادارة ومتابعة هذه المسرحية الهزلية. اخر فصول هذا الهزل تناوله التصريح المنشور في احدي الصحف منذ عدة ايام للدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية. لقد اعلن ان فقراء هذا البلد يحصلون علي 16٪ فقط من مخصصات الدعم والمساعدات المقررة في الموازنة العامة للدولة!! اشار إلي ان الجانب الاكبر من اموال هذا الدعم يتسرب لغير مستحقيه وان فقراء هذا البلد لا يحصلون علي القدر الكافي من المساعدات التي تنتشلهم من براثن الحاجة. اعلن ان موازنة الدولة تخصص ما بين 09 و59 مليار جنيه لهذا الدعم منها 4 مليارات جنيه لدعم البطاقات التموينية و01 مليارات لدعم رغيف الخبز بينما يوجه الجزء الباقي من الدعم للطاقة والبنزين والسولار. واكد وزير التنمية ان الخلل في نظام الدعم يؤدي إلي عدم الكفاءة في استخدام الموارد واحداث اختناقات متكررة في السوق في هذه السلع المدعمة. انني ازيد مايترتب علي ذلك من تنمية للسوق السوداء في كثير من هذه السلع نتيجة الفروق في اسعارها المدعمة وسعرها الحقيقي. يتمثل ذلك فيما تشهده الاسواق من أزمات بصورة متكررة في السلع الغذائية أو في انابيب الغاز من وقت لآخر. اذن ومن واقع تصريح وزير التنمية الاقتصادية فان الدولة تعلم الحقيقة ولا يخفي عليها شيء فيما يتعلق بالدعم ولكن المشكلة هي فيمن لديه القدرة علي اتخاذ القرار والعمل المخطط لاقناع المواطنين بحقيقة الامور كي يتقبلوها بنفس راضية بما يخدم صالح المستحقين الحقيقيين لمليارات الدعم بالاضافة الي تحقيق الصالح الوطني. حقا انها معادلة صعبة لا يقدر علي حلها إلا من يملكون شجاعة القرار وامكانية الوصول إلي توافق وطني حولها بعيدا عن المزايدات والشعارات الكذابة.