نوات متعاقبة غير مرغوب فيها تهب علي منطقة "مسطاح الأنفوشي "حيث صناع السفن الخشبية تلك المهنة النادرة التي عرفتها الاسكندرية - بحسب المؤرخين - منذ القرن الأول الهجري .. آخر هذه النوات التي تهدد بإنقراض هذه المهنة اندلاع حريق ضخم بالمنطقة بسبب ماس كهربائي أتي علي 9 ورش كاملة بالاضافة الي مسجد الشهداء الذي احترق بالكامل .. ولأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن فقد فوجيء صناع أقدم مهنة بالاسكندرية بوقف تراخيص بناء السفن واليخوت منذ خمس سنوات لتقتصر مهنتهم علي صناعة "الفلوكات" وترميم السفن القديمة الي جانب المحاولات المستمرة للمسئولين نقل منطقة صناعة اليخوت الي منطقة أخري مثل الدخيلة وكذلك امتناع الدول المستوردة عن استيراد السفن واعتمادهم علي انتاجها في بلادهم .. "الأخبار" انتقلت الي مسطاح الأنفوشي ورصدت استغاثات أصحاب الورش المحترقة وندءات آخرون لانقاذ صناعاتهم من الانقراض .. صناعة نادرة بداية جولتنا بمنطقة الانفوشي التي تزخر بالعديد من المظاهر السياحية والتي تبدو وكأنها تحتضن البحر في لوحة بانورامية بديعة جذبت أنظار العالم إليها مثل قلعة قايتباي و الآثار الغارقة ومنطقة الغطس وقصر الانفوشي .. وصولا لمنطقة صناع اليخوت وورش السفن فرغم طابعها السكندري المميز الذي تشم فيه رائحة البحر الا أنها باتت تعاني من أزمات متعددة وحرائق كل عدة سنوات.. حيث يقول إبراهيم القبطان - صاحب ورشة لصناعة السفن- أنه يوجد بالمنطقة أكثر من 35 ورشة لتصنيع السفن تبدأ من مركز شباب الأنفوشي وحتي نادي الكشافة بالاضافة الي 20 ورشة أخري بجوار قلعة قايتباي يعمل بها حوالي 3 الاف عامل من أفضل الفنانين والمهندسين والنجارين الذين يعملون منذ الصغر فهي مهنة تتوارثها الاجيال .. ويضيف القبطان أن هذه المنطقة رغم أنها تضم صناعة نادرة هي صناعة السفن الخشبية واليخوت الا أنها تعرضت لأزمات عديدة عصفت بها وفرض حالة من الكساد وضيق الرزق بعد وقف تراخيص بناء السفن واليخوت بتلك المنطقة لتقتصر مهمة الورش علي التصنيع المحدود للخارج وترميم وصيانة السفن القديمة .. ويشير فتحي عيد - صاحب ورشة - أن الورش قديما كانت تقوم بتصنيع جميع انواع السفن واليخوت ومراكب الصيد العادية ومراكب الانقاذ والمراكب السياحية وغيرها عكس الأيام الحالية .. مشيرا الي أن الكساد بمنطقة الأنفوشي طال العديد من الصناعت التكاملية الأخري حيث تضم منطقة الورش عمال الالمويتال والزجاج والسباكة والكهربائيين وغيرها من الصناعات التي باتت مهددة بالاغلاق هي الأخري بعد القرار غير المدروس بوقف التراخيص الخاصة بالبناء منذ عام 1999 رغم أن ليبيا والتي كانت تقوم باستيراد السفن واليخوت من الأنفوشي أغلقت ابوابها امام صناع اليخوت وأكتفت بتصنيعها داخليا بليبيا كنوع من الاكتفاء الذاتي .. كما اتخذ محافظ البحر الأحمر قرارًا بعدم إصدار تراخيص بناء لسفن سياحية جديدة للعمل بالمحافظة.. ولأن جميع اليخوت السياحية المصنعة بالإسكندرية تعمل في موانيء البحر الأحمر فقد تعطلت ورش التصنيع بالأنفوشي، وبدأ يتسرب عمالها إلي مهن أخري وخاصة مع زيادة الأعباء علي أصحاب الورش من أجور عمالة وإيجار الأرض بالاضافة إلي تكلفة إضاءة ونظافة وضرائب.. 800 ألف جنيه وحول آخر أزمات منطقة ورش السفن بالأنفوشي المتمثلة في احتراق 9 ورش ومسجد الشهداء الذي يقع بالمنطقة يقول أحمد الشامي ذ صاحب أحد الورش المحترقة فوجئنا منذ أيام باشتعال النيران بأحد الورش المجاورة لورشتي وبسرعة امتدت الي المسجد و8 ورش أخري .. مشيرا الي أن النيران أتت علي محتويات ورشته بالكامل من ماكينات تقطيع الأخشاب والخامات وسفن ومراكب كانت قد أوشكت علي الانتهاء حيث تسببت في خسائر بالورشة تقدر ب 800 ألف جنيه .. ويضيف السيد علي درويش أن ورشته هي الأخري دمرت في الحريق الأخير الذي شهدته ترسانة تصنيع السفن بالأنفوشي ولم يعد يملك أي أموال لاعادة تشغيل الورشة مرة أخري بعد احتراق السفن التي تم الانتهاء من تصنيعها أيضا ..مشيرا الي أن الحي وعدهم بتسليم 2000 جنيه لكل ورشة عن الحريق..ويقترح القبطان ابراهيم المُن - صاحب ورشة - تحويل منطقة الورش الي منطقة حرة لتصنيع السفن واليخوت والاعلان عنها سياحيا للترويج لتلك الصناعة الهامة بالاضافة الي انشاء شبكة حريق متكاملة عبر طلمبات وخراطيم من مياه البحر مباشرة .. تطوير شامل ومن جانبه أكد اللواء محمد عيد رئيس حي الجمرك أن اللواء عادل لبيب سوف يقوم بتوزيع التعويضات علي أصحاب الورش بنفسه منوها أنها سوف تكون ضعف المبالغ التي تم الاعلان عنها مسبقا .. وأرجع أسباب الحرائق المستمرة بمنطقة الورش الي وجود أخطاء فردية من بعض صناع السفن مما يؤدي الي اشتعال الحرائق التي تأتي علي كل شيء بسرعة كبيرة نظرا للطبيعة الخشبية للمنطقة .. مشيرا الي أن المنطقة مؤمنة بالكامل ضد الحرائق حيث يوجد طلمبات إطفاء علي الجانب الاخر للشارع المواجه للورش وهو ما تم الاستعانة به في إطفاء الحريق الأخير كما تم تركيب طلمبات مؤقتة علي البحر مباشرة ولكنه من الصعب تثبيتها لأسباب أمنية .. وأعلن اللواء محمد عيد أن هناك خطة لتطوير منطقة مسطاح الأنفوشي سوف يتم البدء فيها عقب عيد الفطر مباشرة وتشمل زيادة التأمين ضد الحرائق وعمل ممرات تسهل دخول سيارات الأطفاء وإزالة أي اشغالات أو عشوائيات .. وحول إمكانية إحلال وتجديد الورش الخشبية بأخري أكثر أمنا أكد رئيس حي الجمرك أن هذا الأمر غير مطروح للدراسة لأن أي مباني أخري سوف تتطلب ارتفاعات تعوق رؤية البحر كما أن بناء مباني ثابتة سوف يتطلب موافقة جهات عديدة بالاضافة الي الجهات الأمنية .. وأخيرا يبقي لترسانة تصنيع السفن بالأنفوشي أمل التطوير لينقذها من الكساد والانقراض الذي يهدد الاف العمال والصناع ونظرة أخري من الجهات الحكومية لاعادة اصدار قرارات تصنيع السفن مرة أخري .