في المقال السابق تحدثت عن قضية اصلاح لتعليم في مصر حيث ان طالب الثانوي وأهله يريان أن الالتحاق يجب ان يكون للكليات الجامعية الأكثر حظاً في سوق العمل بعيداً عن الرغبات الخاصة أو المواهب التي يتمتع بها الطالب والتي تؤهله للإبداع دون غيره.. ومنذ عقود كانت نسبة الطلاب الملتحقين بالأقسام العلمية تعادل نسبة الطلاب الملتحقين بالكليات النظرية ولكن الوضع الان مختلف فمنذ سنوات قليلة بدأت تظهر ظاهرة غريبة ومقلقة هي ما أطلق عليه ظاهرة الهروب الي الأدبي حيث نلاحظ حاليا هروباً كبيرا من جانب الاف الطلاب من شعبتي الرياضة والعلوم الي الشعبة الأدبي خاصة بعد التعقيدات الشديدة والصعوبة في امتحانات التفاضل والفيزياء في الشعبة العلمية وأصبح الالتحاق بالقسم العلمي مغامرة محفوفة بالمخاطر، ويتم ذلك بمباركة من أولياء أمورهم الذين تخلوا عن حلم التحاق أبنائهم بكليات الطب والهندسة التي لقبت في الماضي بكليات القمة وقرار الهروب هذا الذي اتخذه الطلاب قرار شديد الخطورة ينعكس علي مستقبل البحث العلمي والتطور التكنولوجي وهنا قد نتساءل: هل الامتحانات هي وحدها المسئولة عن هروب الطلبة من القسم العلمي أم ان الطلاب أنفسهم يرغبون في الدراسات الأدبية؟ أعتقد ان الخوف من المجهول هو الاجابة الأكيدة لأن الطالب الذي يحصل علي 5.79٪ مثلا في شعبة العلوم - وهو بالمنطق يصنف عبقريا من الممكن ألا يلتحق بكليات القمة وحتي اذا حالفه الحظ ودخل كلية الطب وهي درة كليات القمة فالخريج لا يوجد له عمل سوي ان يكون طبيباً يعاني من البطالة بينما يستطيع خريجو كلية الحقوق او التجارة العمل في أكثر من مجال ربما بمرتب أكبر كما يحصل لخريجي اللغات عند عملهم في البنوك الأجنبية وشركات الاتصالات. لكن ومن منظور قومي ووطني أجد أن قلة الإقبال علي الأقسام العلمية ستؤثر بالقطع علي التقدم التكنولوجي لمصر ولوضعها الدولي وتقلل من مساهماتها في التقدم العلمي الانساني وتجعلنا نبدو كما لو كنا نسير عكس المجتمعات المتطورة كلها ومن المؤلم ان وزارة التربية والتعليم غير مقدرة للعواقب الخطيرة التي ستنجم عن هذا والتي بدأت تظهر بالفعل في الأجيال الحالية مثل ما بدا واضحاً في كليات الزراعة التي يرفض الطلاب كل عام ان يضعوها ضمن اختياراتهم في أوراق مكتب التنسيق وهذا يعني أن السنوات المقبلة ستكون بلا بحث علمي ولا تطور تكنولوجي وبالتالي فلن تكون هناك تنمية. يا سادة.. قديما نقل عن علي بن أبي طالب قوله علموا أولادكم لزمان غير زمانكم، ونحن نحتاج الي خطة واضحة للتطوير واذا اردتم الخطة ولوا وجوهكم شطر لجنة التعليم بالوطني فلديها القول الفصل وعندها الخطة الواضحة وليكن ذلك الآن.. لأننا نحتاج الي وقت طويل جدا لجني ارباح أي محاولات جادة لتطوير التعليم فصنع قنبلة نووية أو حتي إطلاق مركبة فضاء مصرية الي القمر ربما يكون أسهل من إصلاح التعليم في مصر كما قال أحد المتخصصين لأن ما يتعلق بالإنسان يأخذ عقودا إن لم يكن أجيالا لتغييره وإصلاحه.. إذن فلنبدأ الان خصوصا ان السيد جمال مبارك قد سبق الجميع بالفعل حينما قال في أثناء زيارته للفيوم أواخر فبراير الماضي: لن اقفز حينما أقول إننا في برنامجنا الانتخابي الجديد (يقصد برنامج الحزب الوطني الديمقراطي) سيحتل القطاع التعليمي الاهمية القصوي خلال السنوات القادمة.. فلنكن معه. كاتب المقال : أستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة