من يحمي متاحفنا من السلب والنهب والسرقة ؟!!..أكثر من 30 متحفا تشكيليا بالقاهرة والاقاليم يغرقون في بحور الاهمال والفوضي والتسيب معظم كاميرات المراقبة لا تعمل واجهزة الانذار معطلة والصيانة غائبة تماما والحراسة ضعيقة للغاية وتفتفد الي التدريب والتأهيل والخبرة.. سلبيات بالجملة تهدد مقتنيات ولوحات نادرة وقيمة يصل ثمنها الي بلايين الدولارات والنتيجة هي تعرضها للفقدان والضياع والتهريب ثم نفاوض المتاحف الدولية حتي يردوا اثارنا ومقتنياتنا. وامام هذا الواقع المرير يبقي السؤال هل يكون حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمود خليل هو الاخير من نوعه ام ستكون هناك حوادث اعتداءاخري علي مقتنياتنا وثرواتنا ؟.. "الاخبار " تناقش مع الاثريين ومسؤلي المتاحف كيف وصل حال متاحفنا الي هذه الدرجة وكيف يتم تأمينها علي النحو الذي يحافظ علي مقتنياتنا داخل حدود مصر. أعاد حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمود خليل مؤخرا إلي اذهاننا العديد من حوادث سرقة المقتنيات الاثرية واللوحات التشكيلية النادرة ، ففي عام 1977تم سرقة نفس اللوحة التشكيلية (الخشخاش)، وقد نجحت السلطات المصرية في استردادها بعد مرور عام كامل علي سرقتها ،كذلك حادث سرقة 9 لوحات اثرية من قصر محمد علي باشا عام 2007 وبعد ساعات من الحادث تم العثور علي هذه اللوحات ملقاه بجوار احدي حوائط القصر دون ان يعرف احد من هم الجناة، وفي عام 2008 نجحت سلطات مطار القاهرة في ضبط لوحة الفنان المصري حامد ندا بعد ان تمت سرقتها من المسرح الكبير بدار الاوبرا المصرية.. ومع تكرار هذه الحوادث يبقي السؤال متي سيتم حماية آثارنا ومتاحفنا من السرقة والنهب والسلب؟ يؤكد صلاح مليجي الرئيس السابق للادارة المركزية للمتاحف والمعارض بوزارة الثقافة أن عدد المتاحف التشكيلية المنتشرة في القاهرة والاقاليم يصل الي اكثر من 30 متحفا تشمل قطعا ومقتنيات أثرية وفنية وتشكيلية نادرة وذات قيمة ويبلغ ثمنها بلايين الدولارات ، وهذه المتاحف رغم كونها ثروة قومية يجب الحفاظ عليها لانها جزء من التراث القومي الا انها تعاني من الاهمال والقصور ويعتريها الكثير من النواقص واوجه الخلل مما يدفع الكثير من معدومي الضمير وضعاف النفوس الي التجرؤ بمد يده الي هذه المتاحف لاختلاس اجزاء ومقتنيات باهظة القيمة المادية والمعنوية وبيعها الي هواة اقتناء اللوحات المسروقة، ويعد حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش مؤخرا في وضح النهار وخلال شهر رمضان خير مثال علي استمرار الرغبة لدي الكثيرين علي العبث بثروات هذا البلد دون معرفة حقيقية او ادراك منهم للقيمة الفنية لهذه الثروات . اهمال جسيم وعن مظاهر واوجه الاهمال التي تغرق فيها هذه المتاحف مما يجعلها عرضة في اي وقت لعمليات سرقة ونهب يقول مليجي أن حادث زهرة الخشخاش كشف للجميع سواء وزارة الثقافة أو المجلس الاعلي للاثار أو شرطة السياحة الكثير من السلبيات التي تجعل أمن وحماية المتاحف في مصر أمرا سهل الاختراق ثم السرقة ثم العودة مرة اخري بالمسروقات دون أن يتم الكشف عن عملية الاختراق أو هوية المخترق ( السارق )، ومن ضمن هذه السلبيات التي تعج بها المتاحف رغم كوننا في الالفية الثالثة عدم وجود أجهزة انذار تصدر أصواتا تنبه مسئولي الامن بالمتاحف عن وجود خطر أو حادث سرقة ،وان وجدت هذه الاجهزة فأعدادها قليلة وتعاني من اعطال ويتم وضعها فقط في المتاحف الكبري كالمتحف المصري او القبطي ، اما المتاحف الصغري التي تجتذب اعدادا قليلة من الرواد والزائرين والسياح فلا تعرف شيئا اسمه اجهزة انذار رغم انها تضم بين جوانبها مقتنيات وتصميمات ولوحات نادرة وثمينة للغاية ويضاف الي ذلك تعطل كاميرات المراقبة عن العمل ، وتعتبر هذه السلبية وصمة عار علي جبين مسؤلي المتاحف ، فالف باء في منظومة التأمين والحماية للهيئات والمنظمات والمتاحف علي مستوي العالم حتي في دول العالم الثالث النامي هي توافر كاميرات المراقبة في جميع اركان وجوانب المكان المراد تأمينه ،حيث تعمل هذه الكاميرات علي تسجيل اي حركة وكل صغيرة اوكبيرة في المكان ، وفي حالة حدوث اي جريمة او خلل في منظومة امن هذا المكان يتم استدعاء شرائط وتسجيلات هذه الكاميرات لتفريغها وتحديد هوية وشخصية مرتكبي الجريمة ، وقد تم الوصول الي العديد من مرتكبي الجرائم وحوادث السرقة والسلب والنهب بهذه التقنية الحديثة ، اما نحن رغم امتلاكنا لثروات طائلة داخل متاحفنا فلازلنا بعيدين كل البعد عن هذه التقنية رغم أهميتها الشديدة . ويكشف رئيس الادارة المركزية السابق للمتاحف والمعارض أنه اعتاد أثناء خدمته بوزارة الثقافة في الفترة من اكتوبر 2006 وحتي يوليو 2009 علي اعداد تقرير بصفة شهرية يتم رفعه الي وزير الثقافة وتتضمن هذا التقارير حالة أجهزة المراقبة والانذار التي تؤمن المتاحف ومدي قدرتها علي العمل ، وفي نهاية مدة خدمته ترك خطة لتطوير وسائل امن وحماية المتاحف وكان ضمن هذه الخطة تطوير وسائل الامن بمتحف محمود خليل الذي سرقت منه لوحة زهرة الخشخاش والتي يبلغ ثمنها اكثر من 80 مليون دولار ، مضيفا انه لا يعرف شيئا عن هذه الخطة وهل تم تنفيذها ام اصبحت حبيسة الادراج ، وعن اهم النقاط التي كانت تتضمنها يوضح مليجي ان الخطة كانت تشمل تغيير اجهزة الانذار والمراقبة واستبدالها باخري علي مستوي عال من التقنية والتكنولوجيا وزيادة افراد الامن المسئولين عن حماية المتاحف . أين الحراسة ؟!! ويري محمد عبد الفتاح رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الاعلي للاثار ان المتاحف الجديدة التي تم انشاؤها مؤخرا روعي عند تصميمها ان تكون مزودة باحدث اساليب المراقبة حيث تم وضع اجهزة انذار بها علي أعلي مستوي وتثبيت كاميرات مراقبة بالالوان في كافة المتاحف ، اما المتاحف القديمة فهي تعاني من القصور والاهمال وحاليا تم البدء في تطويرها وتطوير نظم الامان بها أما اهم اوجه القصور في هذه المتاحف فهو ضعف الحراسة سواء من داخل التحف او من خارجه ، فالعنصر البشري وهم افراد الامن المسؤلون عن تأمين هذه المتاحف داخليا وخارجيا تنقصهم الخبرة مع توفير الامن لهذه المتاحف ، فهم غير مدربين وغير مؤهلين لحراسة ثروات ثمينة مثل التي تتواجد داخل قاعات العرض بالمتاحف ، فمن المفترض تشديد الحراسة علي كل الزوار والرواد وكل من يدخل الي المتحف بحيث يصحب فرد امن وامين (مرشد المتحف ) ولا يتركون هذا الزائر الا عند الانتهاء من رحلته داخل وخارج المتحف ، ويجب ايضا تشديد الحراسة بالاستعانة بلواءات متقاعدين من الجيش او الشرطة ووضعهم علي رأس افراد الامن التابعين للمجلس الاعلي للاثار في كافة المتاحف كما هو معمول به في المتحف المصري والمتحف الاسلامي وذلك من أجل نقل الخبرة الي هؤلاء افراد الامن . ويري الدكتورعبد الحليم نور الدين أستاذ الاثار بجامعة القاهرة وأول مصري يتولي رئيس المنظمة العربية للمتاحف ان مفهوم التأمين والحماية مفهوم ناقص في أذهاننا ، فمعظمنا يعتقد ان التأمين يكون من خارج المتحف ولكن هذا غير صحيح لان التامين يكون من الداخل والخارج ، ويكون اشد في الداخل، لذلك ينبغي علي شرطة السياحة والاثار ان يمتد تأمينها للمتاحف من الداخل كما تفعل بالضبط من الخارج ، هذا بالاضافة الي ضرورة تزويد المتاحف بأحدث نظم التأمين رغم التكلفة العالية الا انها اجراء ضروري جدا للحفاظ علي مقتنيات المتاحف. ويطالب د.عبد الحليم بضرورة تغليظ العقوبات علي مسؤلي الصيانة في متحف محمود خليل الذي سرقت منه زهرة الخشخاش ،فهؤلاء العاملون علي الصيانة تقاعسوا عن اداء عملهم ولم يقوموا باصلاح اجهزة الانذار وكاميرات المراقبة المعطلة بالمتحف ، ولولا ذلك لتم القبض علي الجناة في لحظات ، لذلك يجب تشديد العقوبات عليهم ووضعهم تحت طائلة القانون حتي يكونوا عبرة لغيرهم وتكون الصيانة هي اول شئ يحرس عليه هؤلاء المسؤلون في مفهوم الحماية والتأمين للمتاحف.