ليلي.. أنا فخور بك وسعيد بكتابك الجميل!! فاجأتني ابنتي الصغيرة »ليلي« بكتاب جميل صدر لها.. لم أكن أعرف عنه شيئا.. الكتاب صدر باللغة الإنجليزية وهو عبارة عن رواية قصيرة ترجمتها بالعربية »لاتنساني« كانت المفاجأة جميلة والكتاب أجمل، ولكن لم استطع قراءته بسهولة لأنكم- وكما تعرفون- أن لغتي الأولي هي »الأسبانية«!! أسعدني هذا الدأب الجميل للجيل الجديد وإصراره علي أن يثبت نفسه، وبرغم أن »ليلي« خريجة كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية إلا أنها تعشق القراءة باللغة العربية إلي جانب الانجليزية التي تجيد الكتابة والقراءة بها بطبيعة الحال.. وهي تعشق كتابات غادة السمان وأحلام مستغانمي ونزار قباني وصلاح جاهين وفؤاد حداد.. وعندما سألتها: لماذا كتبت هذه الرواية باللغة الانجليزية وليس بالعربية؟ فأجابت بأنها شعرت أن تعبيرها بمفردات الانجليزية أقرب لاحساسها ومشاعرها وأنها لم تفكر قط في نشر هذا العمل، لولا أن صديقتها »الأنتيم« سالي مهدي دفعتها دفعا للنشر إعجابا منها بالقصة برغم أنها طبيبة أسنان ناجحة ولكنها متذوقة جيدة للأدب.. وبالفعل بدأت رحلة البحث عن ناشر بنقود قليلة وغير مكلفة، واستغرق البحث عدة شهور حتي تم الاستقرار علي مطبعة وناشر يقوم بتوزيع الكتاب، ومن حسن الحظ أنهما توصلا لشابة صغيرة ومتحمسة »أماني التونسي« صاحبة دار نشر صغيرة اسمتها »شباب بوكس«.. تتحمس لنشر مواهب الشباب الحقيقية وذوي التجارب الجديدة في الكتابة فمنحتهم من وقتها وجهدها وإيمانها مما ساعد علي صدور عدد من الكتب المتميزة شكلا وموضوعا.. ولكن »ليلي« لم تترك المسألة بهذه السهولة.. فقد اختارت كل شيء في كتابها ابتداء من بنط الكلمات وغلاف الكتاب وحتي الصور الداخلية، وفي الحقيقة لا أعر كيف واتتها الشجاعة والجرأة لتقوم بكل ذلك، خاصة وأن أباها لا يعرف شيئا عن هذه المواضيع فهو يسلم كتابه للناشر ويراه مطبوعا بعد ذلك، يبدو أن هذا الجيل له اجتهاداته الخاصة التي تلائم العصر الذي نعيشه. »ليلي« أنا فخور بك وسعيد بكتابك الجميل.. وكل أمنياتي لك بالنجاح والتفوق في مواجهة هذه الحياة الصعبة!! قلة ذوق!! الأحد: في صباح يوم جمعة.. تلقيت تليفونا من صديق عزيز علي قلبي وعقلبي هو دكتور العلاج الطبيعي المتميز »أحمد عبدالخالق« وهذا الطبيب صديق لي ولعائلتي وكان يعالج زوجتي بعد الحادث التي تعرضت له منذ فترة، المهم ان الدكتور أحمد حاصل علي الدكتوراه في العلاج الطبيعي من فرنسا وصاحب خبرة مشهود له في هذا المجال.. ولكنه أقرب إلي أولياء الله الصالحين في الطيبة والوداعة والسماحة وحسن النية بطريقة يكتشفها كل من تعامل معه.. في هذا الصباح حدثني أن أحد المرضي اتصل به ليخبره ان الدكتور »فلان« كتب عنه قصة في جريدة الاهرام بعنوان »حصان عربي« وسأل بطيبة هل هذا معناه سييء أم جميل؟ فأجبته بأنني لم أقرأ القصة بعد، وطلبت منه أن يقرأها أيضا. وفعلا قرأت القصة - كما أسماها- صاحبها فوجدت انه يتحدث عن طبيب علاج طبيعي كان يقوم بعلاج والده المسن وأنه التقي به في منزله وعزمه علي تناول القهوة وأن هذا الطبيب »سمين« وذو رقبة مكتنزة، وعندما لبي الدعوة.. لفت نظره لوحة كبيرة لحصان عربي أخبره الطبيب ان زوجته اشترتها من باريس وأنها لرينوار، ودهش الضيف حين وجد أن زوجة الطبيب ممتلئة الجسم ايضا.. ثم تحدث عن ابنته التي عزفت أمامه علي البيانو وكانت في عجلة للذهاب إلي عيد ميلاد صديقتها- ولكن- والكلام للضيف - ربما هي مسرعة للقاء صديقها وتبادل الهمسات واللمسات معه!! طبعا لم يذكر الكاتب اسم الطبيب ولكن كل من يتعامل مع د. أحمد يستطيع التعرف عليه من الأوصاف التي ساقها الكاتب هل يصح أو يليق هذا بدكتور وأستاذ جامعي.. ان يتحدث عن اشخاص دعوه إلي منزلهم ليتناول القهوة فيسئ إليهم بهذا الشكل والوصف.. لا لشيء إلا أنهم إناس علي الفطرة؟.. في الحقيقة لا أعرف ماذا أقول.. كل ما استطيع قوله أنها قلة ذوق وعدم لياقة!! وغابت الشمس.. يوم و فاة أبي!! الثلاثاء: رحم الله الشاعر الكبير جدا عبدالرحمن الشرقاوي.. الذي هو دائم الحضور بين سطور الكلام.. وفي البال.. وفي الوجدان عبد الرحمن الشرقاوي الذي قال في مسرحية »مأساة جميلة«.. بوحريد مات.. والفتي المصري مات.. وكل ما نسأل عنه اليوم مات!!.. وزارني الخاطر الكئيب وهو الخوف ان يأتي يوم أسأل فيه عن أمي.. ولا أجدها.. مثلما أسأل عن أبي رحمه الله.. ولا أجده!!.. ورحم الله المطرب الجميل »النوبي« محمد حمام.. الذي غادر الدنيا، والذي جعلني أبكي علي أمي وهي علي قيد الحياة! كنا في بغداد التي كانت عاصمة الرشيد.. ونحضر مهرجانا للشعر هناك.. وكان المطرب الجميل المرحوم محمد حمام يعمل هناك.. في احدي الأمسيات العراقية.. غني لنا الراحل الجميل بصوته الطروب أغنية الأم.. والتي بدأها بهذا المطلع البديع وهو: يا أمه.. يا خضرة منبته في شقوق الروح.. يا أمه!!«.. ووجدت نفسي »أنهنه« ودموعي تسيل الأمر الذي جعل البنت الجميلة راوية المنسترلي تلحظ ذلك.. وتربت علي كتفي.. وكانت الصديقة راوية تجلس بجواري في لحظة البكاء مع صوت محمد حمام الطروب!.. وليت راوية تصورت أن أمي ماتت.. وأن الأغنية البديعة جعلتني اتذكر!!.. وقالت لي راوية »البقية في حياتك« يا إسماعيل!!.. فقلت لها: انا ابكي مقدما.. وأمي علي قيد الحياة لأنني تصورت مع كلمات الغناء لمحمد حمام ان أمي اطال الله في عمرها ماتت.. فبكيت.. لأن صوت محمد حمام مع جمال الكلمات جعلاني اعيش لحظة أخاف أن تأتي.. واسأل عن الغالية أمي.. وأناديها.. وصوتي يضيع في المدي بين صمت القبور في قريتي »القنايات« وبعد نحو سبع سنوات من هذه الواقعة ماتت أمي.. وأصبحت اناديها بين صمت القبور في بلدتي القنايات!! أمي ماتت.. ولم احتفل يوما بعيد الأم وهي علي قيد الحياة.. واحتفل في داخلي فقط بالذكري!.. لأن الظروف حالت دون الاحتفال بعيد الأم منذ زمان بعيد.. وقبل ان نسمع بعيد الأم!!.. عندما مات أبي فجأة بعد صلاة العصر في يوم 12 مارس من ذلك العام!.. وأذكر ان والدي كان يتناول معنا طعام الغداء ثم نادي علي أمي.. أو بنت أخيه »نجية« زوجة أخي.. حتي تحضرا له ماء الوضوء لصلاة العصر.. ثم عدل عن ذلك.. وقال.. سأقوم أصلي العصر في الجامع.. وكل خطوة بثوابها!.. وهم بالقيام.. ولكنه عاد من جديد يطلب الماء للوضوء وهو يقول: يبدو ان الواحد بعد »الغداء« يصبح كسلانا!!.. وجاء الماء.. وتوضأ.. ثم دخل في الصلاة وأطال في السجود.. الأمر الذي اصبح لافتا للنظر.. فأردنا ان نقوم بالتنبيه.. ونادينا عليه.. ولم ينتبه!!.. ومدت أمي يدها علي ظهر أبي وهو ساجد »منصور.. منصور«.. فلم يجب.. وأخيرا ادركنا ان سر الإله خرج.. ومات أبي!!.. واصبحت أمامنا مشكلة هل نقوم بدفنه علي اعتبار ان »إكرام« الميت دفنه.. أو ننتظر لليوم التالي.. حتي يعرف الناس في القرية.. وعائلته الكبيرة!.. وأخيرا قال الحاضرون: إكرام الميت دفنه!! وجاء »الطبالون«.. وهم يدقون علي طبولهم في دقات يعرفها الناس.. أن هناك شخصا مات!!.. وتساءل الناس.. من ياتري؟ من الذي مات؟ فقالوا: الشيخ منصور النقيب!! وعرف أهل البلدة.. والفلاحون في الحقول.. وكنت أراهم وهم يهرولون قادمين من الحقول!!.. وقد تمت مراسيم الدفن!.. والذي لا أنساه هو »هرولة« الناس في الحقول للحضور والسير في الجنازة!!.. والذي لا انساه هو منظر شكل الشمس وهي عند خط الأفق.. ايذانا بالمغيب!.. وغابت الشمس.. في لحظة غياب أبي.. داخل القبر!! ولم يتم بعد ذلك الاحتفال بعيد الأم.. لانه صادف يوم رحيل الوالد العظيم!.. وأنا الآن أبكي!!