منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 والتي كانت خطوة نحو تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، لم تحقق التسوية السلمية أي تقدم رغم الاحتكار الأمريكي لهذه العملية، ولذلك اتجه المجتمع الدولي والقوي الرئيسية فيه إلي توسيع القاعدة الدولية للعملية السياسية حيث تكونت "الرباعية" الدولية Quartet والتي ضمت بالإضافة إلي الولاياتالمتحدة، الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأممالمتحدة. غير أن المراقبين لأداء الرباعية لم يلحظوا مساهمة مذكورة، بل أن بعض أعضائها -روسيا- قد اشتكوا من أن الولاياتالمتحدة تستخدمها كغطاء لدبلوماسيتها في الشرق الأوسط. غير أنه مؤخرا-19 مارس 2010- اجتمعت "الرباعية" في موسكو بمشاركة سكرتير عام الأممالمتحدة بان كي مون، وسيرجي ايفانوف وزير خارجية روسيا، وهيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكاثرين أشتون ممثلة الاتحاد الأوروبي كما شاركهم ممثل الرباعية في الشرق الأوسط توني بلير. وقد صدر عن هذا الاجتماع بيان هام - لم تلتفت إليه كثيرا الصحافة العربية عند صدوره- وتأتي أهمية هذا البيان من أنه حدد الأسس التي يمكن ويجب أن تستند أليها أية تسوية ومن ثم أية مفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل. فقد عبرت الرباعية عن أن هذه المفاوضات يجب أن تؤدي إلي تسوية يتم التفاوض عليها بين الأطراف خلال 24 شهرا تنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 وأن تنتج عنها دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وصالحة للبقاء جنبا إلي جنب مع إسرائيل وغيرها من الدول المجاورة. كما حثت الرباعية علي احترام "خطة الطريق"، وخلق المناخ الذي يؤدي لمفاوضات ناجحة وبإشارة واضحة إلي الأعمال الإسرائيلية علي الأرض والتي تهدف إلي خلق واقع جديد أكدت أن الأعمال الأحادية من جانب أي طرف لا يمكن أن تحكم مسبقا نتائج المفاوضات والتي يعترف بها المجتمع الدولي.. كما حثت الرباعية حكومة إسرائيل علي تجميد كل نشاط استيطاني بما فيه النمو الطبيعي وتفكيك الحواجز التي أقامتها منذ مارس 2001 وأن تمتنع عن هدم المباني والتهجير في القدسالشرقية وامتناع كلا الطرفين عن الأعمال الاستفزازية. واتصالا بالقدس استدعت الرباعية أن ضم القدس لا يعترف به المجتمع الدولي وتؤكد الرباعية أن وضع القدس هو قضية من القضايا الدائمة التي يجب حلها من خلال التفاوض وتدين قرار حكومة إسرائيل للتخطيط لبناء وحدات سكنية جديدة في القدسالشرقية. وتعيد الرباعية تأكيد تأييدها لخطة السلطة الفلسطينية في أغسطس 2009 لبناء الدولة الفلسطينية خلال 24 شهرا وكدليل علي الالتزام الفلسطيني الجاد بدولة مستقلة تقدم للشعب الفلسطيني للحكم الرشيد ، والفرصة والعدالة. وفي تأييدها لخطوات حكومة سليمان فياض في بناء الدولة دعت الرباعية دول المنطقة والمجتمع الدولي لتأييد ودعم هذه الخطوات. أما عن الوضع في غزة فقد عبرت الرباعية عن قلقها العميق من التدهور المستمر في غزة بما فيه الوضع الإنساني وحقوق الإنسان للسكان المدنيين ويؤكد الحاجة العاجلة لحل دائم لأزمة غزة. واعترافا بأهمية مبادرة السلام العربية فإن الرباعية تتطلع لتعاون وثيق مع الأطراف والجامعة العربية وتحث الأطراف الإقليمية لكي تؤكد علانية استئناف المفاوضات الثنائية وأن تدخل في حوار إقليمي حول قضايا الاهتمام المشترك. وهكذا فإن تتبع بيان الرباعية والمبادئ التي تبناها ودعا إليها يتضح أن الرباعية إن كانت قد دعت لاستئناف المفاوضات بين الأطراف فإنها قد أرست مبادئ لهذه المفاوضات من أبرزها: أنها حددت هدف المفاوضات بأن تؤدي إلي إنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، كما حددت سقفا زمنيا لفترة المفاوضات، وإشارة واضحة إلي الأعمال الإسرائيلية علي الأرض التي تهدف إلي تغيير الواقع، فقد اعتبرت الرباعية أن هذه الأعمال لا يجب أن تحكم مسبقا أو تحدد نتيجة المفاوضات، فضلا عن إعادة تأكيدها رفض ضم القدس، وكذلك مطالبتها إسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني. والواقع أن كل ما حددته الرباعية إنما يتوافق مع متطلبات السلطة الفلسطينية والدول العربية كأسس ومرجعيات يجب أن تستند عليها المفاوضات، وهذا ما يفسر مطالبة السلطة الفلسطينية إعلان أن هذه المفاوضات المباشرة التي تدعو لها إسرائيل والولاياتالمتحدة سوف تستند علي بيان الرباعية. وحتي الآن يبدو رد الفعل الأمريكي لهذا المطلب متجاوبا بينما رفضه نتنياهو، وهو ما يدعو إلي جهد فلسطيني وعربي لحث أطراف الرباعية والمجتمع الدولي وخاصة الولاياتالمتحدة للتمسك بهذا البيان باعتبار أنه يعتبر أساسا جادا لأية مفاوضات حقيقية بل أنه القبول بمبادئ الرباعية هو اختبار حقيقي لنوايا إسرائيل وكذلك لجدية الإدارة الأمريكية. كاتب المقال: سفير سابق