»الاتصال هو أروع الأمور جميعا«.. مقولة مأثورة شائعة، يبدو أن معطيات المستقبل سوف تدفع باتجاه ادخال تعديل مهم علي صياغتها، باستبدال احدي كلماتها لتصبح علي النحو التالي: »الاتصال هو أخطر الأمور جميعا«! وظائف الاتصال المتعددة، وأهدافه المتباينة تجعل منه جوهرا للوجود الإنساني، والعمليات الاجتماعية التفاعلية، هذا الجانب يعكس الروعة في تجليات الاتصال، لكن الخطورة كانت تنبع من المحاولات الهادفة للسيطرة، وفرض التبعية عبر صياغة رسائل تخدم أغراض المرسل علي حساب المتلقي، لكن المستقبل أصبح يحمل في طياته ما يتجاوز ذلك بكثير. باستخدام التقنيات الفائقة سيكون الدماغ تحت السيطرة إما لزراعة افكار بعينها، أو قراءة ما يدور داخله! امكانية اختراق الادمغة سوف تجعل من كل التكنيكات التي تم اتباعها ابان الحرب الباردة، وفي إدارة الحروب النفسية، وتوظيف الاعلام، وحتي الفن، أمورا شديدة التواضع قياسا علي ما ينتظر البشرية في غد غير بعيد. حالة الانبهار التي تسيطر علي المشاهد حين يتسمر أمام الشاشة لمتابعة الفيلم الامريكي الذي يحمل اسم »البداية«، ويدور حول فكرة اساسية مفادها امكانية ان يخوض إنسان داخل اللاوعي لإنسان آخر يغط في النوم، ليرسم له حلمه، كمقدمة لتوجيهه وفقا لارادة الآخر، تبدو موغلة في الخيال، لكن إذا كان ثمة جهاز يستطيع قراءة موجات الدماغ، فإن خطوة باتجاه ما يبدو انه ينتمي لعالم الخيال يمكن أن تكون أقصر زمنيا، حين تتقاطع مع خبرات سابقة كانت معنية بالتحكم في اللاوعي! البداية ايضاً من أمريكا، فريق علمي باحدي الجامعات يسهر علي تطوير جهاز هدفه كشف العمليات الارهابية، من خلال قراءة موجات ادمغة الارهابيين المحتملين، العلماء ركزوا علي موجة دماغية تحمل اسم »بي 003« ترتبط بتذكر الإنسان لأمور خطيرة، وبالفعل فإن التجربة علي مجموعة من المتطوعين اثبتت نجاحا مذهلا. الجهود مازالت جنينية، لكن المؤشرات طيبة فيما يتعلق بالامكانات المتوقعة لقراءة موجات الدماغ مع تطوير الجهاز المستخدم. وإذا كانت البداية معنية بالتركيز علي نوعية معينة من البشر، ونوع بعينه من النشاط الإجرامي، فان المستقبل قد يحمل في طياته توسيع الدائرة لتشمل محاولات لقراءة أدمغة رجال أعمال، أو علماء، أو سياسيين من جانب منافسيهم لمعرفة خططهم ونواياهم إما بهدف ضربها أو احباطها، أو عرقلة تنفيذها! الادمغة اذن سوف تصبح معرضة للاختراق بالمعني الحرفي للكلمة، وليس علي سبيل المجاز كما كان الحال عند تناول دور وسائل الاتصال، ورسائلها الرامية لتغيير الافكار، أو تبني رؤي مغايرة لما كان الإنسان يتبناه أو يعتقد بصوابه. الادمغة- كذلك- سوف تكون مهددة بالاختراق وفق آليات اقرب لما يتعرض له أحد أجهزة الكمبيوتر أو المحمول! وقد يفيد الفريق العلمي الأمريكي، أو غيره، من اكتشاف لفريق بحثي آخر كان معنياً بدراسة آليات عمل الدماغ، والذي توصل إلي أن اجزاء الدماغ وخلاياه تتفاعل سويا بصورة اشبه بما يحدث داخل شبكة الانترنت، وبما يخالف اعتقادا كان سائدا حتي الآن بان الدماغ يعمل من فوق إلي تحت أو العكس، لكن الدراسة الجديدة توصلت إلي انه يعمل بما يشبه شبكة مسطحة تتواصل كل اطرافها بشكل مباشر، أي ان الدماغ اقل تعقيدا مما كان العلماء يتصورونه. تلك الحقيقة ربما تحمل مفتاحا مهما في التعاطي مع الدماغ، خلال تطوير نسخ جديدة من جهاز قراءة موجات الدماغ، ليصبح اختراقه من الأمور التي لا تحتاج إلي الكثير من الجهد!!