مع التسريع في العد التنازلي لإنهاء الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، تم، في الشهر الماضي، تسليم آخر السجون العراقية التي كانت خاضعة للإدارة العسكرية الأمريكية منذ سقوط البلاد في أيديها إلي سلطات الأمن العراقية.. لتتصرف كما يشاء قياداتها في مصير المئات من »نزلاء« هذا السجن الشهير الذين اختلفت هوياتهم، وجرائمهم، ومعتقداتهم، ومواقفهم.. من فئة إلي أخري. ضمت »الزنازين« الكثير من عناصر إرهابية تابعة لتنظيم »القاعدة«، وغيرهم من »الميليشيات الشيعية«، إلي جانب العديد من كبار، وصغار، الكوادر الوظيفية في حزب البعث.. خلال عقود حكم صدام حسين. وسبق أن صدرت أحكام قضائية/ عسكرية بمعاقبة هؤلاء جميعاً بالسجن لفترات طويلة خاصة »المؤبد«. منذ أيام قليلة ماضية.. سُلّطت الأضواء الإعلامية فجأة علي واحد من هؤلاء المسجونين، باعتبار حكايته تختلف جملة وتفصيلاً عن حكايات غيره. السجين »المختلف« كما وصفه مسلطو الأضواء الإعلامية يدعي: »عمرو محمد راشد العبيدي«، الكادر البعثي الكبير، وأحد أقرب المقربين من صدام حسين خلال السنوات الأخيرة من حكمه، حيث اختاره بعد حرب الخليج الأولي وزيراً للبترول، مسئولاً عن البرنامج الشهير المعروف باسم: »النفط مقابل الغذاء«. أحد خبراء التحقق من أسلحة الدمار الشامل، في وكالة المخابرات الأمريكية المركزية: »شارلز دولفر«، كتب مقالاً طويلاً عن »السجين: عمرو راشد العبيدي« نشر في مجلة: »فورين بوليسي« تحت عنوان مثير: »الرجل الذي عرف الكثير« وهل تلك المعلومات التي يحتفظ وزير البترول الأسبق هي السبب وراء استمرار حبسه رغم ثبوت براءته؟! حكاية »العبيدي« لم يسمعها، أو يقرأها، من آخرين ثم نشر تفاصيلها في مقاله الطويل، وإنما كان مصدره الوحيد هو شخصياً، بحكم المسئولية التي تولاها مبعوثاً من وكالته للتحقيق فيما زعموه عن ترسانة: »أسلحة الدمار الشامل العراقية«! والحكاية من أولها كما رواها »شارلز دولفر« تعيدنا إلي أبريل 2003 بعد غزو القوات الأمريكية للعراق، وسقوط نظامه، و هروب حكامه. وقتها.. أخرج قادة الاحتلال من حقائبهم، صوراً من »القائمة السوداء« التي أعدتها الولاياتالمتحدة وتتضمن أسماء العديد من كبار المسئولين العراقيين ال »مطلوب القبض عليهم بأي ثمن« ، وتصدرها اسم وزير البترول »راشد العبيدي«، بزعم الدور الذي لعبه كأحد كبار المسئولين عن البرنامج العراقي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل المعروف ب ( ADM) خلال سنوات الثمانينات. ويري الخبير الاستراتيجي: »شارلز دولفر« أن الإبقاء علي سجن وزير البترول السابق منذ 2003 وحتي الآن لا يرجع إلي علاقته ببرنامج ( ADM) وإنما فقط لتوليه منصب »وزير النفط في آخر حكومة للعراق قبل الغزو والاحتلال«. وهو المنصب الذي أتاح له معرفة الكثير جداً من الأسرار التي يري البعض أنه يستحسن الإبقاء عليه مغيباً في زنزانته لضمان صمته، في حين يفضل البعض الآخر تصفيته جسدياً زيادة في طلب الضمان، وتوفير الاطمئنان! وتأكيداً لهذا التصوّر، يضيف الخبير الأمني قائلاً إنه تولي في عام 2004 رئاسة لجنة التحقيق في ال ( ADM) وإن اللجنة توصلت في تقريرها الختامي إلي اقتناعها التام بعدم وجود أي دليل علي امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل من أي نوع. واختتم رئيس اللجنة هذا التقرير بالتوصية بأنه لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار التحفظ علي هؤلاء المسئولين الحكوميين السابقين، بعد أن انتهت التحقيقات معهم، وأدلوا بكل ما لديهم من معلومات وإجابات. .. ورغم نتائج التحقيق، وتوصيات اللجنة، إلاّ أن وزير البترول العراقي ظل علي حاله، قابعاً داخل زنزانته في السجن الحربي حتي الآن . .. ولحكاية »العبيدي« بقية. إبراهيم سعده [email protected]