منذ ثلاثين عاما نصبت الولاياتالمتحدة نفسها وصية علي حقوق الإنسان واصبحت تصدر تقريرا سنويا لتقييم سلوك دول العالم في مجال حقوق الإنسان.. وفي الوقت الذي تتباهي فيه واشنطن بتوزيع الاتهامات تأبي الاعتراف بما تقترفه من انتهاكات لحقوق الإنسان خارج وداخل الولاياتالمتحدة.. وعلي الرغم من التطلعات والآمال بشأن تقييم هذا الأسلوب في عهد الرئيس أوباما الذي وصف إدارة سلفه الرئيس بوش بالغرور والتعالي في تعاملها مع الحكومات الأجنبية ووعد باصلاح الصورة الأمريكية في الخارج، فإن أول تقرير لحقوق الإنسان في ظل إدارة اوباما والذي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع لا يختلف كثيرا عن التقارير السابقة بل لقد تطابقت أغلب فصول التقرير مع ما ورد في تقارير السنوات الماضية.. وأما ما أثاره التقرير من استنكار رأت واشنطن احتواء ما تساقط عليها من سخرية وتهكم بالاعلان بانها ستلتزم هذا العام بأول مراجعة شاملة يجريها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وانها ستعقد قريبا جلسة عامة تشارك فيها الجماعات المهتمة بحقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة لبحث الجوانب التي تثير قلقهم ورفع مقترحاتهم إلي الأممالمتحدة ليعلق عليها من يشاء من الدول الأخري.. وقد كان من المثير في تقرير هذا العام أن تبدي واشنطن تعاطفها لما تتعرض له اسرائيل من أعمال وصفتها بالارهابية في حين تفادت الاشارة إلي الأوضاع الفلسطينية المتردية في قطاع غزة بحجة انه من الصعب تقييم أوضاع حقوق الانسان في منطقة تخضع لسيطرة منظمة حماس! وقد جاءت إيران والصين في تقرير الخارجية الأمريكية علي رأس قائمة شملت 52 دولة وصفت بأنها تضع قيودا وحشية علي حرية التعبير وممارسة الحقوق السياسية. ولم تجد الدول الأوروبية التي عاصرت ثماني سنوات من المواجهة مع الرئيس بوش أي تغيير ملحوظ يشير إلي أن الرئيس اوباما يسعي إلي تغيير سياسته لتتوافق مع المنطق الأوروبي وادركت مؤخرا ان أي رئيس أمريكي يضع مصلحة بلاده أولا، وإذا كان الرئيس الأمريكي قد عدل بعض جوانب السياسة الخارجية الأمريكية خاصة فيما يتناول وضع درع الصواريخ الدفاعية، فانه لم يف مثلا باغلاق معتقل جوانتنامو خلال عام كما وعد ومازال يخطط لاستمرار وضع عشرات الآلاف من القوات الأمريكية لعدة سنوات في العراق إلي جانب قيامه بتصعيد الحرب مع افغانستان ولم يحدث أي تغيير في السياسة تجاه كوريا الشمالية ودول أمريكا اللاتينية. وعلي الرغم من اقتناع واشنطن بأن قضية الديمقراطية والحكم من الأمور الداخلية فقد عاود التقرير الاشارة إلي قصور نشر الديمقراطية في مصر.. ومن المثير أن تعلن واشنطن مطالبتها باعلان إلغاء قواعد الطوارئ الأمنية في حين انها تحكم قبضتها علي تحركات الأمريكيين بصورة غير مسبوقة بعد أن اصبحت الكاميرات الموجودة في المحال العامة وفي الشوارع والبنوك والمكاتب والمصالح الحكومية ترصد جميع التحركات وتوقيتها.. وأما عن الأحاديث الهاتفية فهي ايضا تسجل كما تتابع السلطات أي جولات إلكترونية عبر الشاشة العنكبوتية.. وإذا كانت حرية التعبير مكفولة بحدود في الولاياتالمتحدة فإن استعارة الكتب يتم تعقبها لمعرفة ميول القارئ وتوجهاته.. وقد اتهم تقرير الخارجية الأمريكية الاتحاد الروسي بقتل عدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين وفرض رقابة صارمة علي الاتصالات بهدف اخماد أي اصوات معارضة واكد التقرير أن القيود المفروضة علي حرية التعبير قد تصاعدت وأصبحت أكثر صرامة.