في الوقت الذي يعكف فيه المجلس الدولي لحقوق الإنسان علي مناقشة الملف الأمريكي في هذا المجال تطفو تصريحات وسياسات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن إلي السطح مجدداً، خاصة فيما يتصل بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط عامة، والعالم العربي علي وجه الخصوص، وهي المنطقة التي كانت موضع اهتمام خاص من قبل سيد البيت الأبيض آنذاك، في إطار حربه العالمية المعلنة ضد الإرهاب ومشروعه الهادف إلي إعادة تشكيل المنطقة، استنادا إلي مفاهيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وحول هذا الموضوع قد يكون من المفيد تسليط الأضواء علي النقاط التالية: 1- خلال المناقشات التي دارت حول تأسيس المجلس الدولي لحقوق الإنسان، أصرت واشنطن علي موقفها المطالب بضرورة توافر أغلبية الثلثين لانتخاب الدول الأعضاء فيه، واستند هذا الموقف إلي حجة رئيسية مفادها عدم السماح لدول تري الولاياتالمتحدة أن لها سجلات ملحوظة في انتهاك حقوق الإنسان من الانضمام إلي المجلس، وفي المقابل، عارضت الدول النامية هذا المعيار مفضلة عليه معيار الأغلبية البسيطة، وهو ما تم إقراره بالفعل. 2- لم يكن الخلاف المشار إليه عاليه فقط سببا في عدم تصويت الولاياتالمتحدة لصالح القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء المجلس، بل ولرفضها الانضمام إليه بل وتوجيه الانتقادات المتكررة لأنشطته، خاصة توجيهه النقد المستمر للسياسات والممارسات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة وخارجها، إلي أن ينتهي المطاف بانضمام الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي عضوية المجلس في مطلع العام الحالي، وعلي الرغم من أن مناقشة المجلس لملفات حقوق الإنسان تتصل أساساً بالسياسات والتوجهات الداخلية في الدول، فإن القرار المنشئ له يعطيه صلاحية مناقشة أوضاع حقوق الإنسان في العالم والعمل علي التصدي للانتهاكات في هذا المجال، فضلا عن انتقاد سياسة الكيل بمكيالين علي الصعيد العالمي، الأمر الذي يفسر توسيع دائرة النقاش، فيما يخص الولاياتالمتحدةالأمريكية، لتشمل قضايا خارجية شاركت فعليا في التعامل معها، وارتبطت بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان من قبل عناصر أمريكية. 3- قد يكون من المفيد التذكير بأن الولاياتالمتحدة استخدمت ملف انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام العراقي السابق كأحد الملفات التي بررت بها تدخلها العسكري في العراق عام 2003، إلي جانب كل من أسلحة الدمار الشامل، والعلاقة بالتنظيمات الإرهابية، ومع تداعي كل من الملفين الأخيرين، لم يعد في جعبة الرئيس جورج بوش الابن سوي ملف حقوق الإنسان لتبرير مشروعه التدخل في العراق. ومن جانب آخر، سعت الإدارة الأمريكية آنذاك إلي إعداد ملفات لدول أخري في المنطقة، حول نفس الموضوع، يمكن الركون إليها لتبرير تحركات مستقبلية تجاهها قد لا ترقي بالضرورة إلي مستوي التدخل العسكري، وإنما قد تكون أداة من أدوات ممارسة الضغوط. 4- في مواجهة الانتقادات الشديدة التي تم توجيهها لبلادهم أوضح المسئولون الأمريكيون أن الولاياتالمتحدة بينما تفتخر بإنجازاتها فهي غير راضية عن الوضع الراهن، وستواصل العمل لضمان أن تكون قوانينها عادلة وتطبق بعدل. أما فيما يتصل بالاتهامات التي تم توجيهها لواشنطن فيما يتصل بممارسات جنودها في مناطق الصراعات (العراق وأفغانستان) ومع معتقلي الحرب ضد الإرهاب (معتقل جوانتانامو) تمحور الرد حول مقولة أن إدارة الرئيس باراك أوباما بدأت تطوي صفحة ممارسات عهد الرئيس السابق جورج بوش تماما وتضمن معاملة المعتقلين معاملة إنسانية، وأنه يجب ألا يكون هناك أي شك في أن الولاياتالمتحدة لا تعذب ولن تعذب، وأن الرئيس أوباما أمر بشكل واضح لا لبس فيه ولا يزال. من الجدير بالذكر أن مناقشة الملف الأمريكي من قبل المجلس جاءت في خضم الوثائق السرية التي نشرها موقع ويكيليكس التي أكدت ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل العناصر الأمريكية في العراق، وأيضا مع قرب صدور مذكرات الرئيس جورج بوش الابن الذي يعترف فيها، وفقاً لمصادر صحفية أمريكية، بأنه أمر باستخدام تقنية الإيهام بالغرق ضد بعض معتقلي جوانتانامو. وفي انتظار التوصيات والمواقف التي يمكن أن تصدر عن مجلس حقوق الإنسان حول هذه الملفات، تظل التصريحات التي أدلي بها وزير العدل الأمريكي السابق، رامزي كلارك، خلال ندوة حول الانتهاكات التي ترتكبها القوات الأمريكية خارج أراضيها مسيطرة علي الأذهان؛ حيث عبر عن "خجله لأن في حرب بلاده علي العراق انتهاكا للاتفاقيات والمواثيق الدولية".