أستاذا الصحافة العملاقان: مصطفي أمين و علي أمين كانا مثل زميلهما الأستاذ إحسان عبدالقدوس يملكان داراً صحفية ضخمة أعطاها اسم أول إصداراتهما: »أخبار اليوم« الأسبوعية، التي أسساها في عام 1944. كما أصدرا صحفيتهما اليومية »الأخبار« عام 1952، نفس العام الذي قامت فيه الثورة. في شهادة الأستاذ مصطفي أمين للزميل د. مصطفي عبدالغني، أكد أنه كان مؤيداً للثورة، ومؤيداً جمال عبدالناصر بصفة خاصة نظراً لمعرفته به قبل قيام الثورة. رغم تلك الصلة التي جمعت بين الصحفي الكبير والقائد العسكري إلاّ أنها لم تشفع للأول عندما صدر قرار باعتقال التوأم:»أمين« بعد أيام قليلة علي قيام الثورة! يقول الأستاذ مصطفي أمين عن هذا الحدث غير المتوقع: [ قدم أحد محرري صحيفة »المصري« اسمه: »محمود صدقي« بلاغاً جاء فيه أن »مصطفي أمين وعلي أمين اتصلا تليفونياً بوكيل وزارة الخارجية البريطانية في لندن، وطلبا منه أن يتدخل الجيش البريطاني ضد ثورة الجيش في مصر(..). وبناء علي البلاغ تم القبض علينا معاً.. رغم أن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا مشغولين آنذاك بعزل الملك فاروق]. وأضاف مصطفي أمين قائلاً: [بعد القبض علينا، قامت قوة بالتوجه إلي مصلحة التليفونات وطلبوا من مسئوليها البحث عن تلك المكالمة، أو البرقية، التي زعم كاتب البلاغ أننا علي أمين وأنا أجريناها، أو أبرقنا بها إلي لندن. وأسفر البحث والفحص عن لا شيء. فلم يعثر علي مثل هذا الاتصال لا قبل 23 يوليو ولا بعده. وحينئذ .. أذكر أن أنور السادات جاء إلينا في المعتقل وأخبرنا أنه سيتم الإفراج عنّا. بعد الإفراج.. ذهبنا إلي اللواء محمد نجيب وكان الشخصية الكبيرة الظاهرة في ذلك الوقت وقال لنا إن العملية خطأ، و سوف نحقق مع المسئول علي الفور. وتم الاتفاق علي كتابة بيان يحمل اعتذاراً لنا، ويذاع عبر الإذاعة عدة مرات، ترضية لنا]. ويعلق مصطفي أمين علي كلماته الأخيرة، قائلاً، لاذعاً:[ في هذا الوقت.. كان يمكن الاعتراف بالخطأ!]. وعن علاقة مصطفي أمين بعبدالناصر بعد قيام الثورة، أجاب كاتبنا الكبير قائلاً: [أول مرة عرفت فيها عبدالناصر كانت قبل قيام الثورة، وفي بيت أم كلثوم التي أقامت حفل استقبال لعدد من ثوار فلسطين. أذكر أن »إبراهيم بغدادي« أجلسني مع عبدالناصر وتحدثنا معاً طويلاً. بعد الثورة.. عرفت أنه قائدها. وأذكر أنه صارحني آنذاك بأن معظم أعضاء مجلس قيادة الثورة اختاروا الديكتاتورية طريقاً للحكم، في حين أنه وحده الذي آثر الديمقراطية، وطالب بالأخذ بها. صدقت ما قاله عبدالناصر لي، ولم يكن يخطر علي بالي في ذلك الوقت أنه »عاملها مناورة«]. وتعيدنا شهادة كاتبنا الكبير الراحل إلي أيام العدوان الثلاثي علي بلادنا عام 1956عندما كلف الرئيس جمال عبدالناصر مصطفي أمين بمهمة إعلامية عالمية لإطلاع الدنيا علي فظائع هذا العدوان البريطاني، الفرنسي، الإسرائيلي من خلال آلاف الصور التي التقطها صديق العمر، الصحفي الكبير الراحل: مصطفي شردي، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير مكتب صحف »أخباراليوم« في بورسعيد، وعاش أيام وأسابيع الاحتلال لبورسعيد وباقي مدن قناة السويس. حمل مصطفي أمين هذه الصور وطار بها في طائرة خاصة إلي كبريات المدن الأوروبية والأمريكية ليطلع حكوماتها وشعوبها علي فظاعة ووحشية العدوان الثلاثي، والاحتلال البريطاني /الفرنسي. يقول مصطفي أمين للزميل د.مصطفي عبدالغني: [قمت برحلة كان يمكن أن أموت فيها، وبعد المخاطرة والعودة إلي أرض الوطن.. سألني عبدالناصر في المطار، وفي لحظة امتنان: »قل لي ماذا تطلب؟ أي شيء تريده سوف أحققه لك علي الفور«. فقلت لعبدالناصر: »أريد العفو عن الشعب المصري«. اندهش جمال عبدالناصر من غرابة ما أطلبه، ورد متسائلاً:»هل أنا ضد الشعب المصري؟! ماذا تريد بالضبط؟«. فأجبت بهدوء: »أريد عودة الحياة الديمقراطية«. ويصف مصطفي أمين تأثير مطلبه علي الرئيس عبدالناصر، فيقول: »ظل عبدالناصر يحدق في وجهي للحظات، ثم انطلق يحدثني عن مشاكله التي تسبب فيها الصراع الدائر آنذاك بينه وبين زميله ونائبه المشير عبدالحكيم عامر! ومرت أيام.. عادت المياه إلي مجاريها بين الرجلين المتنازعين. بعدها لم يعد عبدالناصر يحدثني عن صراعه مع عبدالحكيم، ولم يحقق لي ما طلبته منه!«. عن السؤال الذي وجهه د. مصطفي عبدالغني لجميع المثقفين الذين استمع إلي شهاداتهم، والخاص ب (العلاقة التي كانت بين عبد الناصر والمثقفين)، أجاب الأستاذ مصطفي أمين قائلاً: [لقد عرض المثقفون علي عبدالناصر أن يعملوا، ويتعاونوا، معه.. منذ البداية، لكن عبد الناصر لم يهتم. وأذكر إنني سألته مرة:»لماذا ياسيدي الرئيس حين يخلو منصب وزير تقوم بتعيين »عسكري« وليس »مدني« بدلاً منه؟« وأجابني عبدالناصر:» إن العسكريين أكثر طواعية لي من المدنيين. العسكري لما أقوله فوت من الحيطة دي.. يسمع الكلام، إنما حين أقول لك أنت كمدني فوت من الحيطة دي.. فسوف تتردد، وتقيم حواراً طويلاً معي قبل أن تفكر! أنا أريد من ينفذ الأوامر. والضباط هم أكثر من غيرهم التزاماً بتنفيذ الأوامر!]. ما قرأناه في شهادة مصطفي أمين، وجدنا غيره في شهادات آخرين. فمثلاً.. جاء في شهادة المثقف اليساري الراحل: الأستاذ أبو سيف يوسف أن »علاقة ملتبسة جمعت بين نظام يوليو واليسار المصري، وكيف كان عبدالناصر يريد من الاشتراكيين أن يلعبوا دوراً محدداً في التبشير بالاشتراكية، شريطة عدم السعي للسلطة أو شغل أي مراكز مهمة فيها. ويؤكد المفكر والقيادي الماركسي »أبو سيف يوسف« أن جمال عبدالناصر كان علي معرفة عميقة بالاشتراكية، لكنه في الوقت نفسه كان يريد من الاشتراكيين أن يلعبوا دوراً محدداً لا يحيدون عنه. .. و للحديث بقية.